يذكرنا العاشر من رمضان بإنجازات جيش مصر العظيم في حرب أكتوبر رمضان، ويثير لدينا فضولا مدهشا لقراءة وفهم واستيعاب أسباب النجاح فهي درس العمر السهل الممتنع لكل من أراد أن يفهم معنى القيادة والرؤية ووحدة الهدف.. ويدفعنا إلى محاولة فهم مصادر القوة القيادية بالتطبيق على حياتنا العامة وهي عديدة ونتيجتها في النهاية التأثير على مجريات الأمور سلبا أو إيجابا وسواء كانت قيادة دولة أو جماعة أو أسرة أو حتى غرفة العمليات أو مباراة رياضية فالعبرة في النهاية بتحقيق الهدف كما يراه القائد والجماعة.. والقيادة لمن يمتلك سلطة، خبرة، معرفة، علاقة قوة قانون نقود، نفود أم لمن يمتلك كل هذه العناصر أم بعضها، وهي استعداد فطري أو عادة وصفة مكتسبة أو جينات وراثية، وهي كل هذا أو بعضا منه وقد ترتبط بالذكاء وليس لها علاقة بالعمر حيث ينخفض متوسط عمر القادة الإداريين في الدول المتقدمة ويرتفع بالدول النامية ودول العالم الثالث على أية حال يمكننا البدء بحقائق منطقية يمكن الإتفاق عليها ونحن نبحث عن المعنى الحقيقي للقيادة… الحقيقة الأولى: أن التمتع بالسلطة الإدارية الرسمية يمنحك الحق في إصدار الأوامر والتأكد من تنفيذها ولكنه لا يمنحك الحق في أن تصبح قائدا، فالقيادة لا تصدر بمرسوم ولا تقرها لجنة إدارية عليا أو يصدر بها قرار رسمي أو حكم قضائي. الحقيقة الثانية: أن التقدم في العمر في شغل وظيفة ما لا يحول شاغلها من رئيس إلى مدير ومن مدير إلى قائد فالقيادة لا تخضع للتدرج الوظيفي، فالسلم القيادي يختلف عن السلم الإداري بل أحيانا ما يبعدنا ارتقاء السلم الإداري عن السلم القيادي.. وخصوصا إذا كانت ترقيتنا وتدرجنا نتيجة الأقدمية المطلقة أو الرسوب الوظيفي أو قرار عام بترقية مجموعة أو تم اختيارنا لأننا الأقرب لا الأكفأ فضلا عن أن الخوف يزداد الحرص أيضا على تحقيق الأمن الوظيفي بتقدم العمر وتتلاشى الجرأة تدريجيا حتى يصبح هدفنا إبقاء الوضع الحالي ويصبح جل غايتنا هو أن يتكرر الماضي حيث أن ( ما نعرفه أفضل مما لا نعرفه ) وفي كل الأحوال نحن لا نتحدث عن ( قيادات مؤثرة ) بل عن شخصيات مسيرة أو مسيرة وأيا كان موقعنا أو مكانتنا فإن رؤيتنا تتأثر بخبرتنا وقيمنا واستعدادنا لاستقبال إلهام القيادة إن هبط علينا ليحولنا من شخصيات مسيرة إلى شخصيات ( مؤثرة ). إن المعضلة القيادية تبدو دائما في صعوبة الاختيار بين بديلين متعارضين: السلم والحرب، الإنتاجية والرضا الوظيفي، التحفيز والترشيد، التطوير والأصالة، القديم والجديد، لذا فإن عبقرية القيادة في حقيقة الأمر تكمن في القدرة على الجمع بين نمطين متضادين من أنماط القيادة بصورة متوازنة. ولعل ذلك يفسر سقوط بعض القيادات الإدارية أو السياسية أو التاريخية وفشلها نظرا لعدم قدرتها على الإنتقال من نمط لآخر في الوقت المناسب، فالشخصيات التاريخية أمثال موسوليني، هتلر، وستالين سقطت في بحر من الغضب والنار والإنتحار لأنها أستقرت في إدارتها للأمور وقيادتها عند نمط ( البطل المحارب ) ولم تدرك الجانب الآخر من جوانب الشخصية القيادية السياسية وهو جانب ( القائد السفير ) الذي يدير دفة الأمور وهي في قمة توترها مستخدما مفردات الساسة وملتزما بالبرتوكول ومراعيا بنود وقواعد القانون الدولي ودبلوماسية الخلاف. وشخصيات سياسية أخرى سقطت لأنها لم تتمكن من أن تلعب دور البطل المحارب عندما استدعي الأمر ذلك واستمرت في لعب دور القائد السفير ومن أمثلة هؤلاء الرئيس الأمريكي جيمي كارتر، الرئيس الصيني ماوتسي تونج، وقيصر روسيا والرئيس الروماني شاوشيسكو. إن الإصرار على تبني نفس النمط القيادي رغم تباين الظروف واختلافها هو السبب وراء خروج بعض القيادات من مسار الفعالية إلى مسار الفشل في حين كان تمسك البعض بالنموذجين في أداء العمل القيادي هو السبب الرئيسي في نجاحها ومن الشخصيات التى حافظت على هذا التوازن الرئيس مبارك ونستون تشرشل، شارل ديجول، جوزيف تيتو، والمهاتما غاندي، ونلسون مانديلا، جلالة الملك الحسين، وجميعهم يتمتعون بالقدرة على الجمع بين صفات بطولة المحاربين ودبلوماسية السفراء ولمزيد من الإيضاح حول النمطين نبين: النمط الأول للقيادة وهو نموذج البطل ويأخذ عادة إحدى صور البطولة الأربعة التالية: بطولة الحرب والقتال بطولة الأزمات والكوارث بطولة المرح والإنطلاق بطولة النموذج والمثل، ويتضمن نموذج البطل المحارب الذي سنركز عليه هنا التضحية بالذات وعدم السقوط في مصيدة حب الأنا على حساب المجموع وعدم الإندفاع وراء مكاسب فورية على حساب الرؤية الاستراتيجية وتتميز أيضا بعدم تحملها العمل مع شخصيات ذات كفاءة منخفضة مع تبرمها من الإهمال والتقصير لذا فهي تنشغل كثيرا بقضايا التقييم وإعادة التقييم والثواب والعقاب وتدعيم القضاء والوقوف إلى جانب القانون ودعم مفاهيم التشكيل وإعادة التشكيل للأهداف والأفراد كإعادة تشكيل المجموعة الاقتصادية وتغيير مجموعة من المحافظين وغيرها من القرارات التى سيتلوها بالتأكيد قرارات أخرى عديدة في هذا الاتجاه والسمة الثالثة ( للقائد البطل المقاتل ) فهي الرغبة العميقة والقوية في أن يكون دائما النموذج والمثل لمن يرأسهم أو يقودهم أما السمة الرابعة فهي الرغبة العالية في الإنجاز. ويشترك سيادة الرئيس في هذه الصفة مع بعض الشخصيات التاريخية التي اتسمت شخصيتها القيادية بسمات البطل المقاتل ) ومن بينهم انديرا غاندي، الرئيس الأمريكي ريجان، ورئيس كوبا فيدل كاسترو ورئيسة وزراء بريطانيا السابقة تاتشر وجميعهم تتسم شخصياتهم بالقيادة القتالية التى من أهم ملامحها: القدرة على مواجهة المواقف الصعبة. الصفاء الذهني وتبين الهدف ونقطة الوصول حتى عندما تتعقد وتتشابك الأحداث والمواقف. استخدام المرح وتوظيفه لتوليد الطاقة الإبداعية عند الآخرين. الجسم والحزم في إدارة المواقف والتمييز بين الأشياء والكسب والخسارة والنصر والهزيمة. أما النمط الثاني لدى الشخصيات القيادية الناجحة فهو ما يطلق عليه نموذج ( القائد السفير ) وهدفه العمل على خلق واجهة اجتماعية أنيقة وشرعية وإيجابية لمنشأته ولوطنه وأمته حيث يصيغ إطارا من القرارات والأحداث والتصرفات التى تجعل العالم والمحيطين به يدركون المعنى والمكانة الإيجابية لأمته ولأفراد شعبه ولفريق العمل معه. ويمكن للقائد أن يحقق ذلك من خلال قيامه بأربعة أدوار رئيسية. الدور الأول: باني العلاقات من خلال بذل الجهود الهائلة في بناء العلاقات مع الآخرين، وكذلك دعوة المعارضة للحوار والسماح بحرية التعبير عن الرأي وجميعها تصب في اتجاه بناء العلاقات أحد أشكال نموذج ( القائد السفير ) أما الدور الثاني لهذا النموذج فهو القدرة على الإقناع أو التأثير بالأفكار والكلمات واتخاذ الصدق كأقصر الطرق للإقناع. أما الدور الثالث: للقائد السفير فهو دور موحد الأمة ومضمد جروحها والمدعم لنسيجها الوطني كالدور الذي لعبه الآن الرئيس الأمريكي بوش بعد أحداث الحادث عشر من سبتمبر أما الدور الرابع فهو الحرص على تجميع المعلومات اللازمة لتحقيق الأهداف وكذلك العمل على استخدامها وتوجيهها بما يضمن تحقيق الأهداف ضمن جداول زمنية محددة ومعلومة سلفا فالأدلة القاطعة والمعلومات والبيانات الصادقة هي الأدلة الوحيدة التي يمكنه الاعتماد عليها والركون إليها في التعامل مع المشاريع والأرقام والإنجازات. لقد شهد التاريخ قيادات سياسية واجتماعية عديدة كانت لهم هذه الصفات أو الأدوار الأربعة التى تميز القائد السفير ( بناة العلاقات – المؤثر – موحد الأمة – جامع المعلومات ) وجميعنا يذكر مارتن لوثر كينج الذي استطاع أن يمارس الأدوار الأربعة كسفير لقضية حقوق الإنسان حتى جعلها على قمة الأجندة السياسية لأمريكا في الستينات. لقد ألقى مارتن لوثر كينج بمفرده أكثر من 350 خطابا وسافر أكثر 275.000 ميل في سنة 1963 وهي نفس الصفات لميخائيل جورباتشوف التى أدت سياسته عن الانفتاح Lanost أو إعادة هيكلة Peres troika إلى بناء العلاقات مع الغرب لأنه كان يقود بعقلية السفراء ويلعب أحد أهم أدوارهم وهو دور بناة العلاقات ويتكلم قليلا وينصت كثيرا، مثله في ذلك كمثل بوتن الرئيس السوفيتي الحالي. ولكن الاكتفاء بالقيام بدور السفير أحيانا ما لا يكفي للتعامل مع المواقف التى تتطلب صلابة المحاربين الأشداء فمكافحة الإرهاب لا تتطلب حوارا دبلوماسيا بقدر ما تتطلب روحا قتالية رادعة والحفاظ على أمن البلاد وحدودها لا يكفيه عذوبة الكلمات وحلاوة اللسان والمهادنة ودبلوماسية الحوار ما لم يكن وراءه في الوقت نفسه قوة رادعة وكذلك الأمر بالنسبة لبناة الإدارة الحديثة، فلم يعد كافيا أن تضمن كفاءة وفعالية النظم الإدارية والاقتصادية بل صار عليهم أن يتواصلوا داخليا وخارجيا وأن يصبح لديهم بناة للعلاقات, وما هرون في التأثير والإقناع بالكلمات والإعلام، ومضمدون للجراح عند وقوع المصائب والكوارث والأزمات ومتعاملون بالحقائق لا بالأوهام والأحلام والابتسامات العريضة. خلاصة القول: أن لكل قيادة سياسية أو إدارية أسرارها في توجيه الآخرين ولكل منها قدرتها في التعامل مع معطيات الموقف السياسي أو الإداري ورغم اختلاف المواقف والمعطيات وتعددها إلا أن الشئ الثابت الوحيد هو أن القيادة تكمن في انتقاء المزيج المناسب من الأدوار والقيام بها حيثما تطلب الأمر ذلك ودون انفعال أو تردد، إن المزيج العبقري للقيادة هو في الجمع بين نموذج بطولة المحاربين ودبلوماسية السفراء وهما يوفران لنا ثمانية أدوار حاسمة للقيادة المتوازنة وهي: قيادة البطل المحارب: التضحية بالذات وعدم الانشغال بالمكانة الذاتية ( الأنا ) وعدم تحمل العمل مع شخصيات لا تتسم بالكفاءة. الرغبة الدائمة في أن تقدم المثل والنموذج الرغبة الدائمة في الإنجاز. القائد السفير: القدرة على بناء العلاقات التأثير بالكلمات والأفكار الصادقة الوحدانية والتعاطف في الأزمات والكوارث الاعتماد على المعلومات والحقائق. وهي نفس المجالس التى يفشل فيها بعض القيادات الإدارية والسياسية إذا ما سقطت في أحد المصايد التي تفقدها القدرة على التأثير في الآخرين وتمنعها من تحقيق الهدف وهذه الممارسات السلبية هي: 1- الاهتمام بالذات على حساب مصلحة المجموع. 2- قبول شخصيات مساعدة منخفضة الكفاءة 3- التحدث عن النموذج والشفافية والمثل دون البدء بأنفسهم 4- الكسل وعدم الرغبة في التجوال والإنجاز. 5- إيثار العزلة وعدم التواصل. 6- عدم مصداقية الكلمة، انعدام القدرة على الإقناع. 7- عدم التوحد مع المصابين في الأزمات والاكتفاء بالتعامل معهم إداريا لا إنسانيا. 8- الاعتماد على الشائعات وجماعات الضغط الإداري في تكوين الرأي الشخصي وتقييم المواقف. إن النموذج القيادي لشخصية المحارب السفير تعكس مزيجا نادرا للقدرة على التأثير في الآخرين وإدارة مجريات الأمور حتى في أشد الأوقات تأزما وتعقدا، ويوفر لنا أيضا إطارا منهجيا لتقييم القيادات الوطنية والإدارية ويمكننا من الحكم على مدى قدرتها في تحقيق طموحات الأمة وفي شغل المقاعد الأمامية بمختلف مسارات التنمية الشاملة اللازمة لتحديث مصر والمصريين
Thank you for visited me, Have a question ? Contact on : youremail@gmail.com.
Please leave your comment below. Thank you and hope you enjoyed...
0 comments:
إرسال تعليق