sawah online blog official website | Members area : Register | Sign in

فقدان الهالة ،،،،،،الشاعرة فاطمة ناعوت

الجمعة، ٢٥ أبريل ٢٠٠٨

Share this history on :
Image Hosted by ImageShack.us


Image Hosted by ImageShack.us

يقول المثلُ الإنجليزيّ: Empty Vessels Make the most Noise، ما يعني أن الأواني ‘’الفارغة’’، وحدَها، تُصدرُ الصَّخبَ الأعلى. فأنت إن خبطت بملعقة معدنية على جُدُر إناء معدني، لن تُحدثَ ضوضاءَ ولا إزعاجاً كثيفاً إلا إذا كان الإناءُ فارغا. أما الإناءُ الممتلئ فسيحفظ هدوءه وصمته الرفيع. لأنه ممتلئ. والكلام إذ يصحُّ في المستوى الفيزيائي، يصحُّ بامتياز في المستوى الفلسفيّ والفكري. والإنسانيّ أيضا. القاعدةُ تنطبق على البشر مثلما تنطبق على الأواني. تجد كاتبا مبتدئا ما يزال يخطُّ خواطرَ ساذجةً ويخطئ في الإملاء والنحو يتعامل مع الناس بوصفه ‘’الأخيرَ زمانه’’ الآتي ‘’بما لم تستطعه الأوائلُ’’. بل ويظنُّ أن عدم إقبال الناس عليه مرّده أن كتابته أعلى من مستوى المتلقي! وفي المقابل تجد ‘’الكِبار’’ يتواضعون ويتباسطون، حتى أمام الصغار. لأن المرء كلما ازداد علما أيقن أن ما يجهل أكثرُ جدا مما حصّل. جاءني كاتبٌ شاب مازال يتلمس خطى الكتابة في أولى مراحلها. كان ذلك في المجلس الأعلى للثقافة بمصر قبل أعوام. وطلب مني أن أقدّمه إلى المفكر المصري الكبير محمود أمين العالم الذي كان يجلس على مقربة. قال إن كل ما يرجوه، وحسب، هو أن يصافحه ويعرب له عن حبه وفرحه بلقائه وجها لوجه. فقلتُ اذهبْ وحدك، سوف يرحب بك فهو جميل وغير متعال، ‘’الحكاية مش محتاجة وساطة يعني! فأبدى خجله وألحّ على احتياجه إلى ‘’وسيط’’. وذهبنا للعالم وقلتُ: هذا الشاب الجميل يودُّ أن يصافحك، فما كان من الأستاذ إلا أن وقف ومدّ يده قائلا: أنا اسمي محمود أمين العالم. وابتسامة رائقة باشّة تكسو وجهه تليق بنبيّ. قلتُ يا أستاذ لا تعرّفْ نفسَك! فالمعروف لا يُعرّف، وتقديمك نفسك إهانةٌ لنا كونك رمزا من رموز مصر. أَبَعد كل ما قدّمت لنا وللوطن من فكر وعمر وجهد وكفاح مازلت محتاجا أن تعرّف نفسك؟! فابتسم بحياء وقال: اسكتي يا بنت وبطلي بكش، هو أنا عملت حاجة! والكلام عن هذا الرجل لا ينفد أبدا، سواء في شِقّه الإنسانيّ، أو في شقّه الفكري والفلسفي والتنويريّ والسياسي. حدثني أنه أيام اعتقالات 59 كان السجّان يجلده بالسوط صباحا، والعالم يجلس في المساء إلى ذلك السجّان ذاته ليعلمه ويمحو أميّته!! فهتفت مندهشة: كيف؟ قال: كلٌّ منا يؤدي عملَه! هو يجلدني لأن قادته أفهموه أنني عدوُّ الوطن والدين، ومن ثم فواجبه أن يعاقبَني، لأنه يحب الوطنَ ويحبُّ الدين. وأنا أقوم أيضا بدوري التنويري معه فأعلمه، ذاك أن واجبي نحو وطني أن أنوّر أبناءه ما وسعني ذلك. ذاك أنني أفهم جيدا أن محنة هذه الأمة تكمن في وعيها. ودور كل مثقف أن يبني وعي الناس، قبل أن يحاسبهم على أخطائهم. يَقدرُ واحدٌ من نسيج رفيع الطراز وقامة عالية السموق مثل محمود أمين العالِم أن يغفر لسجّانه وجلاده. هو لم يكظم غيظه، ولم يعفُ عن الناس وحسب، كما تأمرنا الآية الكريمة، بل كان من المُحسنين كذلك، مع من آذوه وعذبوه. والحق أن العالم حين جلس إلى السجان وراح يعلمه الأبجدية والقراءة، فيما خطوط السياط تقطر دما من ظهره، ومن روحه، لم يكن نبيّاً ولا مسيحا متسامحا، بل كان حصيفا يعرف أين يكمن عدوه. عدوه لم يكن ذلك الجاهل الذي يحمل سطوا في يده، بل عدوه هو ‘’الجهل’’ ذاته. ولذلك راح يحاربه.ثم يأخذه السجّان إلى حيث الصخور الضخمة ويقول له: كسّرْ يا مسجون! للصخرة سبعة أبواب، في واحد منها فقط تكمن نقطة الضعف. فيسمحُ العالمُ للسجان ‘’الجاهل’’ أن يعلمه كيف يحدد مكمن الضعف في الصخرة! هل تذكرون قصيدة ‘’فقدان الهالة’’ التي ترجمها الشاعر عبدالقادر الجنابي من بين ما ترجم من شعر شارل بودلير؟ قصيدة بديعة تحكي عن شاعر كبير كان يمشي في الوحل، فسقطت عنه ‘’هالته’’. لم ينحن الشاعر ليلتقط هالة المجد التي وقعت. بل تركها ومضى وهو مسرورٌ لأمرين. أولا لأن تخلصه من علامة مجده وشهرته ستسمح له أن يجول بين البسطاء والعامة بحريّة ويفعل مثلما يفعل الرعاع. وثانيا لأن شاعرا تافها حتما سوف يعثرُ على الهالة يوما، فيلتقطها ويفرح بها. من الممتع أن تتسبب في فرح أحد ما، حتى ولو لم يكن مستحقا لهذا الفرح.
Thank you for visited me, Have a question ? Contact on : youremail@gmail.com.
Please leave your comment below. Thank you and hope you enjoyed...

0 comments: