صديقنا حمدي أبوجليل قاص وروائي مصري يسعي, وهو بسبب من أصوله البدوية قد يشتبه عليك اذ ما صادفته رغم أنه, وهذه شهادة لا مراء فيها, رجل ضحوك ومتوجس, آية ذلك أنه لايوجد في محفل الا ودرس الموقع جيدا حتي يستقر بينه وبين نفسه, علي تلك المسارب التي سوف تعينه علي إطلاق ساقيه للريح اذا ما جد الجد أو جري مايستوجب.غير أنه في الملمات الكبيرة سوف يكشف فورا عن طيب معدنه, وأنا كنت اخترته معاونا لي عندما توليت رئاسة تحرير السلسلة القديمة( آفاق الكتابة), وعندما وقعت واقعة( الوليمة) وجري التحقيق في أمرها عرفنا أن أبا جليل بذل جهده من أجل مشاركتي المسئولية عن الموافقة علي نشر الرواية, مع أنني كنت أقررت بذلك( كانت هذه مأثرته الأخيرة علي ما أذكر) وعندما غادرت نيابة أمن الدولة صبيحة اليوم التالي وجدته في انتظاري بالشارع الخالي برفقته الشاعر محمد كشيك وآخرون, وقد احتضنني بقوة وهو في حال من البهجة والهلع, ولذلك أكتب عنه مثل هذا الكلام في مناسبة صدور روايته الجديدة( الفاعل) عن دار( ميريت للنشر) في مائة وستين من الصفحات.ونحن بالطبع سوف نترك كل حديث جدي عن هذا العمل لأصدقائنا من النقاد, كل ما نستطيعه هو الإقرار بأن( الفاعل) رواية ممتعة نسجها صاحبها في لغة خصبة ذات مذاق لايخلو من خصوصية مبهجة, وقد بتنا نعرف أنه عاني طويلا في سبيل الانتهاء منها: خمس سنوات وأنا أخرج من رواية لرواية, أبدأ في الواحدة وافرح بها وتتوالي الصفحات طيعة سهلة وفجأة تنفتح رواية أخري.. ولكن فلأعد لجدي, ويكون ذلك هو المخرج, التأريخ للعائلة بقصد التأريخ لنفسه: اسمي بالكامل حمدي أبوحامد عيسي صقر أبو جليل.. وعمد العائلة: غلابة, علي قد حالهم ويعتبرون غفرا بالنسبة لعمد المسلسلات, فالجد بني حجرة علي حافة الصحراء الممتدة من جنب الفيوم حتي أسوان وسماها مكتبا, وفرش حصيرة أمامها وجلس ينتظر, وما هي إلا أيام وصارت قبلة للجميع, كل الذين سرقوا مواشي من شمال الصعيد يأتون اليها لإخفائها وكل الذين سرقت مواشيهم يأتون اليها لاستردادها مقابل حلوان يتسلمه جده ويسلمه للصوص.وهو ليس بالتاريخ المشين دائما علي أية حالة, وعبر حوالي ثلاثين فصلا قصيرا( صفحتان أو ثلاث لكل فصل يمكنك, باستثناء الأخير, ترتيبها كما شئت) يستعرض شخوصا وأحداثا وعلاقات علي خلفية من رمل وطوب وزلط وعقار الهدم والترميم والتنكيس وفواعلية وبوابين ومبيضي محارة, ومداخل خلفية وتحتية, عالم ربما لم نصادفه روائيا من قبل, وأنت تري الراوي وهو يحمل أحلامه ككاتب في شكاير الرمل صعودا وهبوطا معتقدا انها أحلام الأمة كلها: أول مرة أشون نقلة رمل وحدي, منذ البداية فضلت تشوين الرمل, الرمل أنظف, بمجرد أن أستحم لايبقي أي دليل علي أني أعمل في الفاعل.إنها رحلة صعود مضن: وفي غرفة عين شمس كنت أقرفص علي كرتونة الكتب وأكتب, بينما هو يظن طيلة الوقت ان كتابة الرواية بحاجة الي مكتب للكتابة, وسرير لتأمل هذه الكتابة, وهو ينهي روايته بأن الظروف قد تغيرت, فالغرفة صارت كما تمني, هناك شباك علي الشارع ولها باب يمكن إغلاقه, وهناك مكتب موح: يمكنني الآن الاسترخاء علي السرير.لقد استطاع أبوجليل عبر مجموعتين من القصص: أسراب النمل, هيئة قصور الثقافة1997, أشياء مطوية بعناية فائقة, الهيئة العامة للكتاب2000, ورواية لصوص متقاعدون, دار ميريت2002, وهذه الرواية الأخيرة, أن يحوز لنفسه سريرا, ذلك أن الموضوع, حسب قوله: يلزمه بعض التأمل
0 comments:
إرسال تعليق