مثلت الزيارة التي قام بها وفد من الحزب الوطني والحكومة الي قرية ننا مركز أهناسيا بمحافظة بني سويف فرصة لتسليط الضوء علي حالة الفقر في القري المصرية, والإعلان عن برنامج متكامل لمكافحة الفقر في إطار سياسات العدالة الاجتماعية.
والواقع أن إعلان هذا البرنامج يعبر عن شجاعة في الاعتراف بقضية الفقر في مصر, والإقرار بحجمها الحقيقي, ليس فقط في الريف ولكن في المدن والمناطق العشوائية, وهو أمر تم تجاهل حتي مجرد الحديث عنه لفترة طويلة من الزمن, بحجة حساسية هذا الموضوع, كما أن إعلان هذا البرنامج يعكس أيضا توافر الارادة السياسية للتعامل مع هذه القضية والحد من ظاهرة الفقر في المجتمع المصري, ويختلف هذا البرنامج عما سبقه من أي برامج لمكافحة الفقر في عدة نقاط:
الأولي: الاعتماد علي منهجية علمية في تعريف من هم الفقراء, فلم يتم الاكتفاء فقط بمؤشر الدخل اليومي لتحديد الفقر, أي من يقل دخله عما يعادل دولارا أو اثنين يوميا, كما جرت العادة في رصد الفقر في التقارير الدولية, بل تم التوصل الي مقياس مجمع للفقر يأخذ في الاعتبار عددا من المؤشرات منها الدخل والانفاق والاستهلاك ومؤشرات التنمية البشرية والبطالة ودرجة الحصول علي الخدمات وحجم الأسرة وغيرها, حيث إن هناك خصائص دقيقة في المجتمع المصري تؤثر في الفقر منها علي سبيل المثال أمية رب الأسرة, والأسر التي تعولها أرامل أو مطلقات, والإقامة في الريف خاصة الوجه القبلي, والسكن في غرفة أو اثنان في وحدة سكنية مشتركة, ووجود دورة مياه مشتركة بين عدة أسر, وغيرها من المؤشرات الاجتماعية الأخري, وقد استهدفت هذه المنهجية تحديد تعريف دقيق للفقر في مصر, حيث ان التعريف غير الدقيق يؤدي الي استهداف غير صحيح وتوجيه موارد مالية في غير محلها.
الثانية: تم وضع مجموعة من المعايير والمؤشرات لتوجيه العمل التنفيذي من خلال برامج مكافحة الفقر وأهمها: تركز الفقر في المناطق الريفية وبخاصة في الصعيد, وفي مناطق ذات مستويات متدنية من الخدمات الصحية والبيئية والاجتماعية, فضلا عن المرافق والبنية الأساسية, الي جانب ارتباط معدلات الفقر بالأمية وصعوبة الوصول الي التعليم وانخفاض مستوي جودته وارتفاع نسبة التسرب من التعليم, وارتباط الفقر بمستويات متدنية من المساكن, علاوة علي حجم الأسرة, باعتبار أن الأسر الأكثر عددا معرضة للفقر بشكل أكبر, وانخفاض القدرات والامكانات المؤهلة للحصول علي فرص العمل, وتدني مستويات الأجور التي يحصل عليها العاملون في هذه الأسر, خاصة عائل الأسرة.
الثالثة: بناء علي هذه المناهج والمعايير أجريت دراسة علمية قامت بها وزارة التنمية الاقتصادية بالاشتراك مع عدد من مؤسسات التنمية الدولية, تم خلالها تحديد وترتيب أفقر ألف قرية مصرية, ويبلغ عدد سكان هذه القري9 ملايين نسمة, ويقدر عدد الفقراء المستهدفين بتلك القري ما يقرب من4,4 مليون فرد فقير.
الرابعة: اعتمادا علي قائمة القري الألف الأكثر فقرا, تم وضع برنامج متعدد المراحل يقوم علي الاستهداف الجغرافي لتلك القري, وبدأت المرحلة الأولي من التنفيذ الفعلي للاستهداف الجغرافي باختيار23 وحدة محلية تضم149 قرية و709 توابع في6 محافظات مختلفة هي سوهاج وأسيوط والمنيا والفيوم و6 اكتوبر والبحيرة, واحتلت محافظات أسيوط وسوهاج والمنيا نسبة76% من اجمالي عدد قري المرحلة الأولي نظرا لأن تلك المحافظات هي أكثر تمثيلا للفقر في الألف قرية, ويقدر عدد الفقراء في تلك القري ما يزيد علي نصف مليون فقير, وتم تطبيق مرحلة تجريبية للبرنامج بهدف اختبار القدرة التنفيذية علي إدارة هذا البرنامج ودراسة متطلباته التنسيقية, وتم تنفيذ هذه المرحلة التجريبية في وحدتين محليتين هما, ننا ببني سويف والعصايد بالشرقية, وتضم14 قرية, و80 ألف نسمة من السكان.
الخامسة: يأخذ برنامج مكافحة الفقر في هذه القري بمنهج متكامل ومتزامن, يستهدف إحداث نقلة نوعية في مستوي معيشة المواطن من خلال تدخل الدولة للارتقاء بالخدمات العامة في القري المستهدفة وليس فقط تقديم مساعدات نقدية مباشرة للفقراء, وتشمل محاور العمل في إطاره: تحسين خدمات مياه الشرب والصرف الصحي, والارتقاء بالخدمات الصحية وخدمات الاسعاف والطوارئ, وتحسين جودة التعليم الأساسي, وتحسين الوضع البيئي والتعامل مع المخلفات الصعبة, والارتقاء بمستوي السكن, وتوفير فرص عمل للشباب عن طريق خدمات الإقراض, ومحو الأمية للفئات العمرية من10 الي45 سنة من الجنسين, وتدعيم شبكات الطرق لربط القري ببعضها البعض وغيرها من الخدمات الاجتماعية الأخري.
فعلي سبيل المثال بالنسبة لقرية ننا ببني سويف, تم تنفيذ عدد من المشاريع في إطار هذا البرنامج, منها الانتهاء من توصيل خدمة مياه الشرب النقية لقري هذه الوحدة وجار العمل علي الانتهاء من توصيل خدمات الصرف الصحي بنهاية هذا العام, وتم تطوير3 وحدات صحية وتسليم سيارة اسعاف جديدة ومجهزة, وتطوير مدرسة ننا للتعليم الأساسي وزيادة قدرتها الاستيعابية, وتوسيع مظلة التأمين الاجتماعي في صورة معاشات, ومساعدات تكافل اجتماعي, وقروض مشروعات صغيرة وغيرها لعدد2252 أسرة, وانشاء133 منزلا للأسر الأولي بالرعاية, وانشاء ملعب جديد, ودعم شبكة الطرق وربط قري الوحدة المحلية ببعضها البعض, وغيرها من المشاريع الأخري.
وأخيرا, فإن برنامج مكافحة الفقر في القري المصرية هو جزء من برنامج أشمل لمكافحة الفقر, وقد تبنت الحكومة في خطتها الخمسية للتنمية هدف تخفيض نسبة الفقر من20% عام2005/2004 الي15% عام2012/2011, في ضوء العدد المقدر للفقراء عام2005/2004, والذي يصل الي13,6 مليون فقير بينهم2,6 مليون فرد يعانون الفقر المدقع, وهي أرقام مفزعة وموجعة بكل المقاييس, ولكن الاعتراف بهذه الأرقام ووضع برامج للتعامل مع هذه القضية هو أمر يحسب للحزب والحكومة, ومن المهم الاستمرارية في هذه البرامج وتوفير التمويل اللازم لها.
والواقع أنه لايمكن فصل موضوع مكافحة الفقر عن البرامج الأخري التي تستهدف الحفاظ علي معدلات النمو وزيادة هذه المعدلات, وتبني سياسات لكبح جماح التضخم, فمن المهم تخفيض نسب الفقر الحالية ولكن من المهم أيضا العمل علي عدم حدوث أي إضافات جديدة لأعداد الفقراء.
ويظل للدولة دور مهم وأساسي في مساندة الفقراء, والتدخل لتحقيق توزيع أفضل لعوائد التنمية, وضمان حد أدني من العدالة الاجتماعية
0 comments:
إرسال تعليق