sawah online blog official website | Members area : Register | Sign in

ورديــــــــة ،،،، ابراهيم اصلان

الخميس، ٥ يونيو ٢٠٠٨

Share this history on :

عندما نقلوه من وردية الصباح للعمل معنا في وردية الليل فوجئت‏,‏ ثم رحبت به وقلت له‏:‏‏-‏ أهلا يا محمود‏.‏أنا عرفته أول يوم عين فيه‏,‏ أيامها كنت رئيسا لوردية الصباح‏,‏ وهو جاء برفقة والده الشيخ الحريري‏,‏ صاحب اللحية المعقوفة‏,‏ الذي طلب أن ينفرد بي لأن لديه ما يقوله‏.‏صعدنا إلي البوفيه في الطابق الأعلي حيث أخبرني أن محمودا شارك في حرب اليمن‏,‏ وفي إحدي المعارك كان قد صعد ربوة صخرية وكمن بعتاده داخل مغارة صغيرة أعلي هذه الربوة‏,‏ ولم تلبث طائرة نفاثة أن انطلقت مخترقة الأجواء علي ارتفاع عدة أمتار من دماغه‏,‏ فتهاوي من هول الصوت وراح في غيبوبة عميقة‏,‏ وعندما عثروا عليه حملوه بين أيديهم مثل خرقة مسلحة‏,‏ ولم يمر وقت حتي تبين أن صوت الطائرة مسح دماغه تماما ولم يترك فيه شيئا مما اكتسبه خلال سنواته التي عاشها‏,‏ أصبح لا يعرف الناس ولا الأشياء ولا الكلام‏.‏ وقال الشيخ الحريري إنه تولي تدريبه‏,‏ بناء علي إرشادات الأطباء لأن والدته بهتت حين رأته هكذا ولم تلبث أن توفيت‏.‏وقال الشيخ إنه أخذ هذه المهمة علي مسئوليته‏.‏ أخلي له حجرة السطح وبدأ يعلمه كيف يستخدم المرحاض والأكل والكلام‏,‏ استمر في ذلك حتي كان يوم صعد السلم في طريقه إلي السطح ووجد محمود واقفا يمد إصبعه ناحية العشة يشير إلي الأوزة ويقول‏:‏ -‏ وزة‏.‏ويشير إلي الخروف ويقول‏:‏ خروف‏.‏وعندما استدر ولمح والده أعلي السلم مد إصبعه ناحيته وقال‏:‏شيخوأخبرني الشيخ بأن الأمر تطلب سنوات من العمل والرعاية اليومية وأن محمود بوسعه الآن أن يتصرف‏,‏ صحيح أن ما حصله ليس كثيرا ولكنه يكفي للتعامل مع الناس والدنيا التي يتحرك فيها‏,‏ فهو يحلق ذقنه ويرتدي ثيابه كما تدرب جيدا علي ركوب الأتوبيس من المحطة المجاورة للبيت والنزول في المحطة القريبة من الهيئة‏,‏ وصار يتصفح الجريدة‏,‏ ويرد علي التليفون وعلي أي إنسان يتحدث معه‏,‏ كل ما في الأمر أنه قليل الكلام‏..‏ ويلتحق اليوم بالعمل بناء علي توصية كبيرة وأراد الشيخ مني أن أهتم به مثل أخ‏,‏ وأن الإدارة‏,‏ عموما‏,‏ سوف تتحدث معي في هذا الشأن‏.‏والحقيقة أن أحدا من الإدارة لم يتحدث لا معي ولا مع غيري‏,‏ ولكنني شرحت الموقف للمشرف العام واتفقنا علي أن ندربه علي ربط البرقيات‏..‏ وهكذا جلس إلي مكتب في ركن القاعة وتسلم مغرازا بقبضة خشبية ومسلة وكرة من الخيط الدوبارة‏..‏ سيكون عليه مراجعة ترتيب برقيات كل بلد حسب أرقامه ووضع ورقة خالية مكان البرقية الناقصة‏,‏ ثم يضيف غلافين من الورق المقوي لهذه الرزمة‏,‏ ويدفع المغراز في زاويتها وهو يقوم نصف قومه ليستعين بثقله‏,‏ ثم يخرجه ويستخدم المسلة التي يتدلي منها خيط الدوبارة ويصنع عقده في الزاوية العلياويعقدها ويقطع الخيط بالموسي‏,‏وعلي الغلاف‏,‏ سوف يكتب اسم البلد وبداية أرقام البرقيات ونهايتها‏,‏ في أقل من أسبوعين أتقن محمود هذا العمل‏,‏ ومضت سنوات طويلة قبل أن أفاجأ به ينقل في وردية لليل‏,‏ وما لبثت الأخبار أن ترددت عن أسباب هذا النقل‏,‏ وهي أسباب غريبة لأن الصورة التي احتفظت بها ذاكرتي هي جلوسه مستغرقا جنب النافذة يبتسم لنفسه ويهز رأسه من هنا إلي هناك‏,‏ وعندما يضغط المغراز يخرج لسانه ويمسكه بأسنانه‏,‏ لا يفعل شيئا غريبا ولا يشرب الشاي ولا يستجيب لمناكفة أحد‏

Thank you for visited me, Have a question ? Contact on : youremail@gmail.com.
Please leave your comment below. Thank you and hope you enjoyed...

0 comments: