sawah online blog official website | Members area : Register | Sign in

الاثنين، ١٦ يونيو ٢٠٠٨

Share this history on :
الجــــــــــــــــــــــــــــزء الثانى من وردية ابراهيم اصلان
Image Hosted by ImageShack.us
قضي الليلة الأولي معنا وكأنه مازال في وردية النهار‏,‏ جلس الي مكتبه في ركن القاعة بجوار النافذة المفتوحة الآن علي ليل شارع رمسيس وراح يباشر ربط البرقيات وهو يبتسم ويهز رأسه من هنا الي هناك‏..‏ ويعض علي لسانه بينما هو يضغط المغراز وعندما تقدم الليل اقتربت منه‏,‏ لم يعد هو نفس الشاب الذي أتي به والده ذات نهار وحكي لي حكايته قبل ان يطلب مني ان اعامله مثل اخ‏,‏ ثم ان الشيخ الحريري لم يلبث ان دعاني وبعض الزملاء لحضور زواجه‏,‏ وذهبنا ورأينا محمود يجلس مبتسما الي جوار عروسه وهو يرتدي بدلة داكنة وربطة عنق حمراء‏,‏ كانت العروس ممتلئة‏,‏ وبيضاء وفرحة‏,‏ ووجهها جميل جدا‏.‏لقد تقدم به العمر الآن وانتشر البياض في شعره القصير وامتلأ جسده وصارت رقبته اقصر وعندما جاء عامل البوفيه الليلي سألته‏:‏تشرب شاي يامحمود؟والتفت الي بنصفه الأعلي واتسعت ابتسامته وهو يتطلع الي كأنه يرجوني فطلبت الشاي‏..‏ وعندما جاءت الاكواب اشعلت سيجارة بينما نقل هو الكوب من الحافة وانتقي مكانا في منتصف المكتب ووضعه وقلب السكر بالمعلقة الصغيرة ثم نطرها ووضعها في الكوب مرة اخري‏,‏ وراح يزاول العمل‏.‏ اردت ان اسأله عن سبب انتقاله الي وردية الليل وان كان ذلك تم برغبته ولكنني لم اعرف ماذا اقول‏..‏ كنا سمعناعن سبب انتقاله الي وردية الليل وان كان ذلك تم برغبته ولكنني لم اعرف ماذا اقول‏..‏ كنا سمعنا قبل عام أو اكثر انه صعد الي الطابق الاعلي‏,‏ حيث شئون العاملين الذين نعرفهم جميعا ويعرفوننا وقد صادف احد الموظفين يمشي في الطرقة الطويلة‏,‏ ويقول هذا الموظف انه ما كاد يقول له‏:‏ـ إزيك يا محمود‏,‏ حتي مال محمود علي أذنه وهمس‏:‏انا مش من هنا‏,‏ وكنت عاوز اي مبلغ اكمل بيه حق التذكرة لغاية طنطا علشان اشوف امي‏.‏والموظف نزل فورا واخبر رئيس الوردية الصباحية بما حدث وقال‏:‏الراجل ده هيفضحكوا‏,‏ولكني استبعدت ان يكون هذا هو سبب نقله لأنه موضوع قديم جدا‏,‏ كما انه كان تحول شائعة لم يتأكد منها احد‏,‏ حينئذ سألته عن صحة والده وهو قال بنفس الابتسامة انه‏:‏مات الشيخ الحريري مات‏.‏وكنت انتهيت من شرب الشاي وقلت له‏:‏ـ اشرب الشاي قبل ما يبرد‏.‏قال‏:‏ـ اصل أنا مش باحب الشاي‏.‏تركته يواصل العمل‏,‏ وجلست وبقية الزملاء نتحدث مثلما نفعل‏,‏ وكان هو قد انتهي من ربط رزم البرقيات وقام يضع كل واحدة في الخانة المخصصة لها‏,‏ ثم فتح الدرج الخشبي الكبير وأعاد المخراز والمسلة وكرة الدوبار بداخله وأغلقه بالمفتاح ووضعه في جيبه‏.‏والتفت الينا وقال علي مهله ان الولس هو الذي هزم عرابي‏,‏ ونحن ابتسمنا لبعضنا لأن سيرة عرابي لم تكن وردت في اثناء الكلام‏,‏ كان النهار طلع وبدأ الزملاء في الانصراف‏,‏ وظل هو جالسا يتطلع الي الساعة المعلقة حتي السادسة تماما ثم قام واقفا وقال‏:‏ سلام عليكم‏,‏ ثم اتجه نحو الباب ومشي‏,‏ بينما جلست انا في انتظار رئيس الوردية الصباحية لكي أسلمه المكتب‏.‏ وهو لم يلبث ان جاء وقبل ان اسأله قال انهم نقلوا أبو اشرف عندنا لأنه اعتاد في الايام الاخيرة ان يدخل دورة مياه السيدات ويخبط علي باب المرحاض ويقول‏:‏ـ افتحي يا بنت أنا الحريري‏.‏ثم يستدير وينصرف‏. ----------------------------------------------------------------------3 يونيو من وردية إلي أخريبقلم : إبراهيم أصلانعندما نقلوه من وردية الصباح للعمل معنا في وردية الليل فوجئت‏,‏ ثم رحبت به وقلت له‏:‏‏-‏ أهلا يا محمود‏.‏أنا عرفته أول يوم عين فيه‏,‏ أيامها كنت رئيسا لوردية الصباح‏,‏ وهو جاء برفقة والده الشيخ الحريري‏,‏ صاحب اللحية المعقوفة‏,‏ الذي طلب أن ينفرد بي لأن لديه ما يقوله‏.‏صعدنا إلي البوفيه في الطابق الأعلي حيث أخبرني أن محمودا شارك في حرب اليمن‏,‏ وفي إحدي المعارك كان قد صعد ربوة صخرية وكمن بعتاده داخل مغارة صغيرة أعلي هذه الربوة‏,‏ ولم تلبث طائرة نفاثة أن انطلقت مخترقة الأجواء علي ارتفاع عدة أمتار من دماغه‏,‏ فتهاوي من هول الصوت وراح في غيبوبة عميقة‏,‏ وعندما عثروا عليه حملوه بين أيديهم مثل خرقة مسلحة‏,‏ ولم يمر وقت حتي تبين أن صوت الطائرة مسح دماغه تماما ولم يترك فيه شيئا مما اكتسبه خلال سنواته التي عاشها‏,‏ أصبح لا يعرف الناس ولا الأشياء ولا الكلام‏.‏ وقال الشيخ الحريري إنه تولي تدريبه‏,‏ بناء علي إرشادات الأطباء لأن والدته بهتت حين رأته هكذا ولم تلبث أن توفيت‏.‏وقال الشيخ إنه أخذ هذه المهمة علي مسئوليته‏.‏ أخلي له حجرة السطح وبدأ يعلمه كيف يستخدم المرحاض والأكل والكلام‏,‏ استمر في ذلك حتي كان يوم صعد السلم في طريقه إلي السطح ووجد محمود واقفا يمد إصبعه ناحية العشة يشير إلي الأوزة ويقول‏:‏ -‏ وزة‏.‏ويشير إلي الخروف ويقول‏:‏ خروف‏.‏وعندما استدر ولمح والده أعلي السلم مد إصبعه ناحيته وقال‏:‏شيخوأخبرني الشيخ بأن الأمر تطلب سنوات من العمل والرعاية اليومية وأن محمود بوسعه الآن أن يتصرف‏,‏ صحيح أن ما حصله ليس كثيرا ولكنه يكفي للتعامل مع الناس والدنيا التي يتحرك فيها‏,‏ فهو يحلق ذقنه ويرتدي ثيابه كما تدرب جيدا علي ركوب الأتوبيس من المحطة المجاورة للبيت والنزول في المحطة القريبة من الهيئة‏,‏ وصار يتصفح الجريدة‏,‏ ويرد علي التليفون وعلي أي إنسان يتحدث معه‏,‏ كل ما في الأمر أنه قليل الكلام‏..‏ ويلتحق اليوم بالعمل بناء علي توصية كبيرة وأراد الشيخ مني أن أهتم به مثل أخ‏,‏ وأن الإدارة‏,‏ عموما‏,‏ سوف تتحدث معي في هذا الشأن‏.‏والحقيقة أن أحدا من الإدارة لم يتحدث لا معي ولا مع غيري‏,‏ ولكنني شرحت الموقف للمشرف العام واتفقنا علي أن ندربه علي ربط البرقيات‏..‏ وهكذا جلس إلي مكتب في ركن القاعة وتسلم مغرازا بقبضة خشبية ومسلة وكرة من الخيط الدوبارة‏..‏ سيكون عليه مراجعة ترتيب برقيات كل بلد حسب أرقامه ووضع ورقة خالية مكان البرقية الناقصة‏,‏ ثم يضيف غلافين من الورق المقوي لهذه الرزمة‏,‏ ويدفع المغراز في زاويتها وهو يقوم نصف قومه ليستعين بثقله‏,‏ ثم يخرجه ويستخدم المسلة التي يتدلي منها خيط الدوبارة ويصنع عقده في الزاوية العلياويعقدها ويقطع الخيط بالموسي‏,‏وعلي الغلاف‏,‏ سوف يكتب اسم البلد وبداية أرقام البرقيات ونهايتها‏,‏ في أقل من أسبوعين أتقن محمود هذا العمل‏,‏ ومضت سنوات طويلة قبل أن أفاجأ به ينقل في وردية لليل‏,‏ وما لبثت الأخبار أن ترددت عن أسباب هذا النقل‏,‏ وهي أسباب غريبة لأن الصورة التي احتفظت بها ذاكرتي هي جلوسه مستغرقا جنب النافذة يبتسم لنفسه ويهز رأسه من هنا إلي هناك‏,‏ وعندما يضغط المغراز يخرج لسانه ويمسكه بأسنانه‏,‏ لا يفعل شيئا غريبا ولا يشرب الشاي ولا يستجيب لمناكفة أحد‏.‏
Thank you for visited me, Have a question ? Contact on : youremail@gmail.com.
Please leave your comment below. Thank you and hope you enjoyed...

0 comments: