sawah online blog official website | Members area : Register | Sign in

مصر: إلى أين؟ (3-3) .. أزمة المعارضة وسيناريوهات المستقبل

الاثنين، ٢٣ يونيو ٢٠٠٨

Share this history on :
Image Hosted by ImageShack.us

أن قضية التحول الديمقراطي بدأت تطرح بإلحاح على الساحة السياسية المصرية عقب حرب 67 مباشرة، غير أن الكاريزما الشخصية للرئيس عبدالناصر، من ناحية، وملابسات حرب الاستنزاف وما صاحبها من استعدادات لخوض حرب التحرير من ناحية أخرى، حالتا، دون تبلور حركة احتجاجية قوية مطالبة بالديمقراطية. أما بعد حرب أكتوبر 73 فقد تغير الوضع حين بادر الرئيس السادات باتخاذ عدة إجراءات استهدفت تغيير طبيعة النظام السياسي، من نظام يقوم على سيطرة حزب واحد إلى نظام يقوم على تعدد الأحزاب.

ومع ذلك فسرعان ما تبين أن هذه الإجراءات كانت شكلية واستهدفت امتصاص ردود الأفعال الشعبية المحتملة تجاه تغير جوهري أصاب السياسات التي كانت متبعة حتى ذلك الوقت على الصعيدين الداخلي والخارجي. غير أن ردود الأفعال هذه كانت من القوة والعنف بحيث أدت في النهاية إلى اغتيال الرئيس السادات نفسه، لتبدأ مرحلة جديدة من مراحل تطور النظام.

كان من الطبيعي أن يحظى الرئيس مبارك عقب توليه مقاليد الحكم، خصوصا في ظل التركة الثقيلة التي تركها لها سلفه، بفرصة طويلة نسبياً لالتقاط الأنفاس، قبل أن يعود المطلب الديمقراطي ليفرض نفسه على الساحة السياسية في مصر من جديد. ولأنه تم تجاهل هذا الطلب الملح من جانب النظام الحاكم وجرت محاولات لاحتوائه أو قمعه، فسرعان ما راحت قوى المعارضة تتحول إلى حركة احتجاجية مؤثرة راح نطاقها يتسع تدريجياً على الساحة، ساعد على ذلك عاملان:

الأول: بزوغ نجم جمال مبارك والإقدام على اتخاذ عدد من الإجراءات الدستورية والقانونية المتتالية فُسرت جميعها، خصوصاً في ظل الإصرار على عدم تعيين نائب للرئيس مبارك، على أنها تعكس مخططاً مرسوماً يستهدف تمكين الابن من خلافة والده في السلطة.

العامل الثاني: تركيز الاهتمام على الأمور المتعلقة بأمن النظام وإهمال جميع الأمور الأخرى التي تهم الحياة اليومية للمواطنين. ومع ذلك لا تزال هذه الحركة الاحتجاجية ضعيفة وغير قادرة على توليد ما يكفي من ضغوط لإجبار النظام القائم على التعامل بجدية مع مطالب الإصلاح السياسي وطرح خطة قابلة لإنجاز عملية تحول ديمقراطي سلمي على أرض الواقع.

وسوف نحاول في هذا المقال استشراف آفاق المستقبل في ظل رفض النظام الحاكم المطالب الإصلاحية، من ناحية، وعجز الحركة الاحتجاجية عن إجباره على تبني هذه المطالب، من ناحية أخرى.

من المعروف أن هذه الحركة مرت بثلاثة أطوار أو مراحل رئيسية:

المرحلة الأولى: قادتها رموز سياسية تقع خارج الأطر الحزبية الرسمية أو متمردة عليها من داخلها، راحت تركز على مطلب الإصلاح السياسي، مستفيدة من ظرف دولي بدا ضاغطاً في اتجاه الترويج لنشر الديمقراطية في المنطقة. ولا جدال في أن حركة "كفاية" لعبت دوراً تاريخياً مهماً ورائدا في هذه المرحلة، ولكن سرعان ما بدأت تلحق بها أو تظهر إلى جانبها جماعات أخرى، خاصة في أوساط أساتذة الجامعة والقضاة والصحفيين والمحامين، اتفقت معها في الأهداف واختلفت في الوسائل.

المرحلة الثانية: قادتها رموز نقابية ومهنية، وشهدت تحولا من المطالب المتعلقة بالإصلاح السياسي والدستوري إلى المطالب المتعلقة بتحسين الأحوال الاقتصادية والمعيشية لفئات أو مهن بعينها. وهو تحول ساعد عليه شلل الأحزاب السياسية الرسمية، وانكشاف حقيقة الموقفين الأمريكي والأوروبي من المسألة الديمقراطية بعد تراجع الضغوط الغربية على الأنظمة العربية، خاصة عقب فوز حماس بأغلبية المجلس التشريعي، وإحساس الأجهزة الأمنية بأنها باتت طليقة الحركة لقمع المعارضة وإلحاق أكبر قدر من الأذى بها.

المرحلة الثالثة: تتسم بوجود حالة من السخط العام عكسها تداخل والتقاء المطالب الإصلاحية العامة على جميع الأصعدة السياسية والاقتصادية والاجتماعية، مع المطالب الفئوية والمهنية الخاصة برفع أجور العاملين في جميع القطاعات وتحسين مستوى الأداء والخدمات، خاصة الصحية والتعليمية منها، ومكافحة الغلاء والفساد وغير ذلك.

صحيح أن الحركة الاحتجاجية في مصر مازالت تبدو، حتى في طورها الراهن، أقرب ما تكون إلى جزر معزولة ومحاصرة، منها إلى تيار عام يجمعه برنامج متفق عليه وإطار مؤسسي يوحد حركتها ويحدد بوصلتها ويسير أمورها. ومع ذلك يمكن القول إن طبيعة المرحلة الحالية تفرض على هذه الحركة ألا تظل على هذا الحال من التشرذم. فهناك على أرض الواقع تجري عملية غير مرئية وغير منظمة تدفع في اتجاه مد الجسور بين الجزر المعزولة، التي قد لا تتأخر كثيرا قبل أن نراها وقد تحولت إلى روافد تصب في مجرى نهر واحد كبير. وفي تقديري أن هناك عوامل كثيرة تدفع في هذا الاتجاه، منها: 1- الارتفاع الجنوني في أسعار السلع الغذائية والذي سهل من انخراط شرائح متزايدة من الطبقة المتوسطة ومن الأغلبية الصامتة في الحركة الاحتجاجية، 2- تآكل دور مصر على الصعيدين الدولي والإقليمي، بسبب انصياعها غير المشروط وغير المبرر للسياسة الأمريكية في المنطقة، وهو عامل يساعد على تصاعد حدة الاحتقان في أوضاعها السياسية الداخلية.

في سياق كهذا يمكن القول إن التطورات المحتملة للأوضاع الداخلية في مصر تتوقف على عوامل كثيرة أهمها قدرة الحركة الاحتجاجية في مصر على تطوير استراتيجيتها. وفي اعتقادنا أن تلك التطورات سوف تكون محكومة بالسياق الخاص لأحد السيناريوهات الثلاثة التالية:

السيناريو الأول: انخراط الأحزاب الرسمية ومعها التيارات والجماعات الفكرية والسياسية المعارضة، ومنها جماعة الإخوان المسلمين، في جبهة موحدة لتشكيل غطاء سياسي يمكّن الحركة الاحتجاجية الشعبية من مد الجسور بين مكوناتها، وصهر مطالب القوى والفئات الاجتماعية المختلفة بما يساعد على تشكيل إطار تنظيمي قادر على الجمع بين جناحي الحركة، السياسي والاقتصادي- الاجتماعي، وتحقيق التغيير السياسي المنشود. وهناك عوامل كثيرة قد تساعد على إنضاج مثل هذا السيناريو، ربما تكون من أهمها خشية الأحزاب والجماعات السياسية المعارضة من عزلة عن الشارع قد تعرضها للذبول والموت.

السيناريو الثاني: استمرار أوضاع الأحزاب والقوى السياسية الرسمية في مصر على ما هي عليه، وعزوفها عن الانخراط في الحركة الاحتجاجية، إما بسبب الضغوط الواقعة عليها من جانب أجهزة الأمن، أو بسبب أزمة الثقة أو الخلافات الأيديولوجية التي لا تزال مستحكمة بين عدد من فصائلها. وفي سياق كهذا ربما تجد الحركات الاحتجاجية المشكلة خارج نطاق الأحزاب الرسمية، وكذلك الحركات الاحتجاجية المتبلورة حول مطالب مهنية وفئوية، نفسها مضطرة للتحرك وفق منطقها وقدراتها الخاصة، وهو ما قد يعرقل مسيرة الحركة الاحتجاجية نحو الوحدة، لكنه لن يحول دون تحققها إن آجلا أم عاجلا.

السيناريو الثالث: انفلات الوضع الأمني بسبب تفاقم الأزمة الاقتصادية، من ناحية، وغياب غطاء سياسي وقيادة تنظيمية للحركة الاحتجاجية، من ناحية أخرى، وبالتالي احتمال تطور الأمور إلى حالة من الفوضى قد يستغلها الجيش للنزول إلى الشارع والسيطرة على السلطة وتسلم زمام الأمور في البلاد.

وفي تقديري أن السؤال الرئيسي الذي أصبح مطروحا الآن وبشدة لم يعد يتعلق بما إذا كانت الأوضاع في مصر قد باتت قابلة للانفجار، وإنما أصبح يتعلق ﺒ«متى يأتي هذا الانفجار؟» وتدل مؤشرات عديدة على أن لحظة الانفجار المتوقع قد تكون هي ذاتها لحظة انتقال السلطة من مبارك الأب إلى مبارك الابن. ولأن هناك إجماعاً بين المراقبين على أن الفرصة الوحيدة لتولي مبارك الابن للسلطة لن تأتي إلا في حياة مبارك الأب.

فإذا كان في نية الرئيس مبارك البقاء في السلطة حتى نهاية فترة ولايته الحالية، أي حتى نوفمبر من عام 2011، وبالتالي عدم ترشيح نفسه لفترة ولاية سابعة، فستجد مصر نفسها حينئذ أمام لحظة حقيقية سيصبح لزاما عليها أن تواجهها.

وأظن أن مصلحة مصر تقتضي من الرئيس مبارك أن يفكر مليا في هذه اللحظة منذ الآن، وأن يتخذ القرار المناسب بشأنها. فإذا كانت تلك هي اللحظة التي سيتقدم فيها جمال مبارك للترشيح لمنصب الرئيس، فالأرجح أن تكون لحظة بداية ممارسته السلطة هي ذاتها لحظة الانفجار المتوقع. أما إذا لم يكن مثل هذا الاحتمال وارداً أصلا، فكيف يمكن، إذن، تفسير ما يجري في مصر الآن؟.


Thank you for visited me, Have a question ? Contact on : youremail@gmail.com.
Please leave your comment below. Thank you and hope you enjoyed...

0 comments: