sawah online blog official website | Members area : Register | Sign in

ابراهيم اصلان ،،،،،حين يجلس الشاعر

الأربعاء، ٢٣ أبريل ٢٠٠٨

Share this history on :
Image Hosted by ImageShack.us

وفي تلك الأيام المجيدة‏,‏ كان تم ابتكار رغيف‏(‏ الحواوشي‏),‏ وكان نفر منا‏,‏ أثناء وردية الليل‏,‏ يغادر المبني الي حي التوفيقية المواجه‏,‏ ونتجه الي المحل المفتوح‏,‏ نأكل أنصاف الأرغفة الساخنة المحشوة باللحم الناضج بالخلطة الحريفة‏,‏ وكان‏(‏ الحواوشي‏)‏ الكبير يمد لنا أطباق الخيار والبصل المخلل والفلفل الحامي من وراء الطاولة حيث يقف بجلبابه الأبيض ووجهه الضاحك‏,‏ وبين حين وآخر كانت تأتي إحدي العربات التي يغادرها السائق ليتناول طلبا كبيرا ملفوفا ويغادر‏,‏ ويقال انها طلبات خاصة من الدجاج والحمام المحشو أحيانا بجوزة الطيب وصنوف أخري من المنزول‏,‏ وكنا نأكل ونعرج الي المقهي القريب الموارب‏,‏ نحتسي الشاي الأسود ثم نتقدم في شارع زكي حتي ميدان عرابي‏,‏ وننحرف الي شارع دوبريه ومنه الي مبني الهيئة‏.‏مرات أخري كنت أغادر وأحد الزملاء ونمشي آخر الليل في الشوارع الخالية حتي ميدان التحرير‏,‏ في ذلك الوقت تكون القاهرة‏,‏ طبعا‏,‏ واحدة من أجمل عواصم الدنيا وأكثرها سحرا‏,‏ فالمباني الحديثة الطارئة باللافتات القبحة وأجهزة التكييف الناتئة والأسلاك المدلاة علي الجدران ذات الألوان القبيحة قد توارت في ذلك الوقت المتأخر من الليل‏,‏ وتكون المباني القديمة قد أسفرت عن نفسها‏,‏ ولسوف يدهشك أن أشجارا كبيرة قامت واقفة علي الأرصفة‏,‏ هائلة ومأهولة‏,‏ بعدما كانت اختبأت في فوضي النهار‏,‏ وضيق الشوارع وزحمة الناس‏.‏لا يبقي في المدينة العريقة إلا ما ينتسب إليها‏.‏كنا نمشي في هذا المدي العاطر حتي ميدان التحرير‏,‏ نستلقي علي الأرائك حول النصب الكبير الخالي ندخن ووجوهنا للسماء الواسعة‏,‏ ويكون قمر‏,‏ وتكون نجوم‏,‏ وفي هذا الصمت يشعر الواحد إذ يغفو بوجيب قلبه يتردد مع نبض الكون الكبير‏,‏ ولا أحد هناك إلا من صندوق البريد وهو يطل عليك من تلك الناصية البعيدة‏,‏ ويستيقظ النهر‏.‏مرات أخري كنا نغادر فجرا الي ميدان رمسيس‏,‏ حيث نلتم حول العربة الخشبية‏,‏ والمرأة البدينة تعد لنا أطباق الفول بالزيت الحار والدقة التي تختص بها مع حزم البصل الأخضر والعيش الطازج‏,‏ بينما هي تمرح معنا وتعاند صاحب العربة في الطرف الآخر من الميدان‏,‏ وتصيح‏:‏ يا أقرع يابتاع الوز‏,‏ وتلمح الرجل‏,‏ الأقرع فعلا‏,‏ وهو يتشاغل عنها‏,‏ وتدرك أن بينه وبين الأوز شيئا آخر‏,‏ ونبتاع صحف الصباح من مدخل المحطة‏,‏ ونعود الي العمل‏,‏ نوقع‏,‏ وننصرف‏.‏وفي ليال أخري‏,‏ كنت أغادر وحيدا الي ميدان التوفيقية حيث ألتقي بالشاعر القبرصي‏(‏ آنجلو‏)‏ في شقته بالطابق الخامس من المبني القديم‏,‏ كنت تعرفت عليه أثناء فترة تدريبي علي التوزيع‏,‏ كان قعيدا لا يتحرك‏,‏ وكنت أجلس أمام حشيته نشرب ونتكلم في الضوء الخافت‏,‏ وهو يلقي علي بعضا من قصائده القصار التي كان ينشرها باليونانية في‏(‏ لابورص اجبشيان‏),‏ بعد ما يترجمها لي الي العربية‏,‏ كان يلقيها بحماسة ويمثل بذراعيه ويخبرني أنها أفضل في لغتها الأصلية‏,‏ بينما كان حسان النوبي يتحرك في المكان بهدوء وهو يستند الي الجدران‏,‏ وكنت أعجب كيف يقوم علي خدمته وهو في هذا الحال‏,‏ وأثناء مروري في أحدي الليالي رأيت عربة الإسعاف تقف أمام البناية والي جوارها أحد الضباط‏,‏ ثم رأيت رجلين يحملان النقالة و‏(‏آنجلو‏)‏ يجلس عليها عاليا كما اعتاد أن يلتقيني وقد غطته كله ملاءة قديمة تدلت أطرافها‏,‏ وبعدما أغلقوا الباب الخلفي للعربة تحركت‏,‏ وحسان العجوز ظل واقفا يستند مائلا الي مدخل المبني‏,‏ وهو يتطلع الي بعينين حزينتين وهز رأسه معزيا‏.‏


Thank you for visited me, Have a question ? Contact on : youremail@gmail.com.
Please leave your comment below. Thank you and hope you enjoyed...

0 comments: