sawah online blog official website | Members area : Register | Sign in

دكتور لطفى زغلول وقراءة فى الصمت العربى

الخميس، ٢٤ أبريل ٢٠٠٨

Share this history on :
Image Hosted by ImageShack.us



تحت ظلال هذا الصمت العربي المنتمي إلى عائلة العجز واللامبالاة، علقت كثير من القضايا العربية التي يفترض أن تكون لها أولوية البحث وإيجاد الحلول. إلا أن إهمالها وعدم الخوض فيها إلا من قبيل ذر الرماد في العيون، يخشى أن يحمل في طياته التخلي النهائي عن هذه القضايا، وترك كل قطر عربي يتخبط في قضيته.
حتى الآن يمكن لنا أن نحصي عددا لا بأس به من هذه القضايا العالقة. في مقدمتها القضية الفلسطينية بعامة، وقضية القدس بخاصة. وها هي الذكرى الستون للنكبة الفلسطينية على الأبواب، وأقل ما يقال في هاتين القضيتين أنهما أصبحتا رهن المشروعات الإستيطانية والتهويدية.
والأنكى من ذلك أن هناك سياسات ورؤى يستمدها الإحتلال الإسرائيلي من تأييد منقطع النظير لكل خطواته من حليفته الإستراتيجية الولايات المتحدة الأميركية التي لعبت دورا خطيرا في خداع الشعب الفلسطيني، موهمة إياه بأنه أصبح قاب قوسين أو هو أدنى من دولته الفلسطينية. إلا أنها تظل ستين عاما عجافا هي عمر النكبة، وليس هناك من بصيص نور في آخر النفق. إلا أن الأخطر من هذا كله أن ما يجري على الساحة الفلسطينية، قد أصبح وكأنه لا يعني الأمة العربية بأي شكل من الأشكال.
وإذا كانت هذه حال ما يفترض بها أنها أقدس قضية عربية وإسلامية، وأقدمها في تاريخ العرب المعاصر. فماذا يمكن أن يقال عن قضايا عربية أخرى لها أهمياتها وتأثيراتها وتداعياتها المحلية والإقليمية في العراق وفي السودان وفي الصومال وفي لبنان؟. ومرة أخرى نؤكد ما أشرنا إليه في مقدمة حديثنا من أنها قضايا لم تعد تهم الأنظمة العربية، ولا العالم العربي. وعلى ما يبدو أن إطلاق مسمى قضايا عربية عليها قد يكون هو الآخر فيه ابتعاد عن جوهر الحقيقة.
وحقيقة الأمر أننا لا يتجنى أحد منا على العالم العربي أنظمة وشعوبا، ولا يظلمه البتة حينما يصف الحال التي يمر بها بأنها حالة صمت وعجز غير مسبوقة في تاريخه إزاء قضايا يفترض أنها مصيرية، وهي في نفس الوقت لا تهم شعبا من شعوب الأمة العربية دون آخر، بل هي على العكس قضايا قومية تمس الجميع آجلا أم عاجلا، وسواء أدركوا هذه الحقيقة أم تجاهلوها.
ثمة حقيقة يفترض أن لا تغيب عن البال أن أعداء العالم العربي والأمة العربية الذين يكيدون لهما، ويتربصون بهما، ويحيكون لهما في الخفاء والعلن، لم يكونوا ينظرون إليهما إلا على أنهما وحدة واحدة. والحملة الراهنة لا تستهدف شعبا بحد ذاته، وإنما تتربص بالعرب جميعا أينما كانوا ووجدوا دونما أي تفريق بين أقطارهم.
لكن العالم العربي يسير بعكس تيار المنطق والعقلانية فيما يخص تفاعله مع الأحداث المحيطة به، والتحديات التي تنصب عليه، أو تلك الأزمات التي تحل به، أو أنها ما زالت تلازمه منذ عقود. إن المفترض أن يزداد وعيه للأخطار المحدقة به، والآخذة بالتفاقم، كونه دون أدنى شك يمر بمرحلة من التطور في عديد من الصعد العلمية والمعلوماتية والإقتصادية والتي يفترض أن تزيد من وتيرة إدراكه بأن مقدراته مستهدفة، وبالتالي فإن عليه أن يواجه هذا الإستهداف وهذه التحديات بقدر معقول ومواز من التماسك والتضامن العربيين في عالم لا يعترف إلا بالأقوياء، وفي عصر هو عصر التكتلات والأحلاف.
إلا أن معادلة العالم العربي في هذا الصدد عكسية. فهو آخذ في التشرذم والإنكماش والتقوقع القطري في جو من اللامبالاة وعدم الإكتراث بما يدور في ساحته العربية. وهذا ما يسمى حالة صمت العجز العربي التي فقد فيها كثيرا من المشاعر والأحاسيس القومية، فبات لا يسمع ولا يرى ولا يتكلم ولا ينفعل إزاء ما يجري مثالا لا حصرا في فلسطين أو ما ينتظر غيرها.
وإذا كنا هنا نذكر فلسطين فلأن لها خصوصية قومية وعقائدية، ويفترض أنها قاسم مشترك أعظم لكل العرب والمسلمين. فالقدس وتحديدا الأقصى الذي بارك الله حوله هي جزء لا يتجزأ من العقيدة الإسلامية التي يدين بها غالبية العرب. وهي أمانة تاريخية وإرثية ودينية في أعناقهم جميعا، لا في أعناق شعب واحد فقط.
ولا يفترض بأي حال من الأحوال أن يلتزم بها شعب واحد أعزل مشرد محتل محاصر مضطهد نازف الجرح منذ ستة عقود، وهو الشعب الفلسطيني الصامد المرابط الحائل دون تهويد الأرض والمقدسات، بينما يتفرج عليه بصمت ولا مبالاة ودون أي اكتراث ستة وخمسون شعبا عربيا ومسلما ، وتحديدا عشرون شعبا عربيا يفترض انهم الأقربون.
إن الإنسان يتساءل، والحال هذه، لماذا انقلب العالم العربي هذا المنقلب؟. وأين الجماهير العربية؟ وماذا حل بها حتى أصبحت على هذه الحال؟ وهل هي حالة دائمة لا سمح الله أم أنها "شدة وتزول"؟. وبرغم ذلك كله فنحن الفلسطينيين باعتبارنا الشعب العربي الأوحد الذي ما زالت تنزل في ساحته الكوارث وتحل المآسي منذ ستة عقود، والذي يشعر أنه فقد عمقه العربي في أحلك أوقاته وأصعبها وأمرها، لا نريد أن نفقد الأمل في غمرة هذا اليأس الكبير، ولا أن نجعل القنوط يستحكم في نفوسنا برغم أنه يحتل مساحة شاسعة منها.
في خضم هذا الصمت العربي اللامبرر، تبرز حقيقة مرة مفادها أن العالم العربي أنظمة وشعوبا اليوم غيره بالأمس. فثمة الذين ازدادت أموالهم أكثر بكثير مما كانوا يحلمون في يوم من الأيام، فأصبح لهم اهتماماتهم وشؤونهم الخاصة التي يسرحون في ساحاتها وينعمون من خلالها بما أنعم الله عليهم من آلاء. ويمكن استقراء ذلك جليا من خلال فضائياتهم المتخمة بالمهرجانات التسويقية والمباريات الرياضية والأمسيات الفنية والمسابقات التي تغدق الملايين وترش الذهب رشا.
وثمة الذين يزدادون فقرا على فقرهم، ويعانون غائلة ارتفاع الأسعار، أو أنهم بلغة الإقتصاد المهذبة يواجهون حالات من الكساد الإقتصادي والبطالة، الأمر الذي يفرض عليهم السعي المميت وراء رغيف الخبز والدواء وتأمين قسط ما من العلم لابنائهم.
لكن القاسم المشترك الأعظم لهؤلاء وهؤلاء هو الأنظمة العربية التي اختطت لنفسها نهجا بعيدا كل البعد عن الديموقراطية الحقيقية والحريات الإنسانية الأساسية، وفرضت على شعوبها هذا الصمت كي لا يصبح "الكلام" مساسا بأمنها واستقرارها هي، أو يزعج الآخرين الذين يدان لهم بالولاء. وكأن لسان حال هذه الأنظمة العربية يردد المثل العربي القائل: "اذا كان الكلام من فضة فالسكوت من ذهب".
ان الأنظمة العربية مسؤولة مسؤولية مباشرة عن هذه الحال العربية، كونها أساسا تقوقعت في قماقمها القطرية وعملت فرادى، وكان لكل منها "منظورها الهزيل" تجاه القضايا أيا كانت. وهي جميعا شاركت وساهمت في التفريط بالثوابت والمواقف واللاءات التي كانت حصنها الحصين وسورها الحامي العظيم، ورفعت شعارات سلام استراتيجي من جانب واحد، وتدثرت بإزار الخوف والمسكنة والإستجداء، وتجاهلت بأن هناك "لا" لا ينبغي أن تغيب عن اللسان العربي لأي كائن مهما كان، وانه في النهاية وكما يقول المثل الشعبي" لا يقطع الرأس إلا من ركبه".
إن الشعب الفلسطيني في وطنه، وفي الشتات يتألم لهذا المشهد العربي التخاذلي الكارثي. إنه يخشى على هذه الأمة أن يحل بها مزيد من الكوارث لا سمح الله جراء سياسات أنظمتها، وصمت جماهيرها التي على ما يبدو ارتضت هذا الواقع المرير. والشعب الفلسطيني يخشى كل الخشية ان تتفكك كل عناصر الإنتماء القومي في هذه الأمة العربية وتنحل مع الأيام لتتحول إلى مجرد شعوب ناطقة باللغة العربية ليس إلا، وللأسف فحتى العربية لم تعد مانعة في ظل تراجعها الملحوظ تحت وطأة هذا الغزو الثقافي العولمي، ولا يعود يربطها بعضها أكثر مما يربطها بالشعوب الأخرى.
إن الفلسطينيين يذكرون أشقاءهم العرب إذا كانوا حريصين على عروبتهم أن القضية الفلسطينية – والقدس في صميمها – هي العنصر الوحيد الذي ما زال يذكرهم بعروبتهم وجزء هام من عقيدتهم، بعد أن لم يعد هناك أي طرح لأية مشروعات وحدوية عربية إقتصادية كانت أو سياسية أو ثقافية أو غيرها على الأجندات السياسية العربية، وبعد أن غابت شمس الوحدة العربية، لعل الذكرى تنفع المؤمنين. ويظل السؤال: إلى أين هذا الصمت، وهذا العجز، وهذه اللامبالاة، وإلى متى؟.
Thank you for visited me, Have a question ? Contact on : youremail@gmail.com.
Please leave your comment below. Thank you and hope you enjoyed...

0 comments: