sawah online blog official website | Members area : Register | Sign in

نظرة على تاريخ السرد الجزائرى

السبت، ٢٢ يناير ٢٠١١

Share this history on :


عانى الأدب الجزائري الحديث وبخاصة الرواية كثيرا من مشكلة الترجمة، فإذا كانت الظروف السياسية التاريخية مانعا في ترجمة الإبداعات الأدبية إلى اللغة العربية في عهد الاستعمار، فإن مرحلة ما بعد الاستقلال كانت مليئة بتباشير التغيير و الارتقاء.
بيد أن الحركة الأدبية أخذت منحى جديدا، ركيزته الفصل بين الكتابة باللغة الفرنسية والكتابة باللغة العربية، وبهذا سار الإبداع في مسارين مختلفين، الأول ينهل من الآداب الفرنسية وينسج على منوالها، يحاول إثبات تميزه بالمضامين ولكن يبقى أبدا حبيس اللغة الفرنسية، وبالتالي حبيس الانتماء، أما الثاني فيحاول الإسهام بطريقته الخاصة في تطور الرواية العربية.


كان من الممكن جدا الاستفادة من الرواية الجزائرية المكتوبة باللغة الفرنسية لتطوير الرواية المكتوبة بالعربية، بترجمة إبداعات الروائيين الرواد أمثال مولود فرعون ومحمد ديب ومولود معمري ومالك حداد وآسيا جبار إلى اللغة العربية، وانتشار النسخ العربية عند شرائح القراء بطريقة تمكنهم من الاطلاع عليها بصفة دائمة بإعادة النشر كلما ازداد الطلب عليها.


فنحن لم نعايش مغامرات دون كيشوت للإسباني سرفنتاس بلغته الأصلية، ولم نعرف أعمال الروائيين الروس أمثال فيودور دوستويوفسكي ولا غوغول ولا ماكسيم غوركي أو ألكسندر سوليتسين وشولوكوف بلغتهم الأصلية، ولكن الترجمات الفرنسية السائدة عندنا هي التي مكنتنا من التعرف على الأدب الروسي وكذلك الأدب الأنجليزي كروايات ولتر سكوت التاريخية أو شارل ديكنز الواقعية أو إميلي برونتي وشارلوت برونتي او جورج صاند أو جيمس جويس الإرلندي، و حضر الأدب الأمريكي بغير لغته، مع روايات فيتزجيرالد وجون شتنبك وإرنست همنغواي، كما اطلعنا على الأدب الإيطالي مع جيوفاني فيرجا وألبرتو مورافيا وإيناسيو سيلوني، ولا ننسى الأدب الألماني مع غوته وفرانز كافكا..


إن الإصرار على تداول إبداعات الروائيين الجزائريين باللغة الفرنسية جعل الهوة تتسع بين المبدعين الجزائريين، وعوض أن تتأخر الرواية العربية إلى غاية السبعينات من القرن العشرين لتعرف أول رواية ذات حبك فني جيد متمثلة في اللاز لطاهر وطار وريح الجنوب لعبد الحميد بن هدوقة كان من الممكن الاستفادة من التجربة الفنية لكتاب جزائريين كتبوا باللغة الفرنسية، وبالتالي يكون تطور الرواية أكثر نضجا من مساره الحالي.


لم يهمل المهتمون بشؤون الأدب ترجمة روايات الخمسينات والستينات من القرن الماضي فقط، و إنما غضوا الطرف تماما عن الروايات السابقة لتلك الفترة، روايات لم يكتب لأصحابها معايشة الثورة أو الانضمام إليها.


وراح الكثير من مؤرخي الأدب يراهنون على محمد ديب و مولود فرعون و مولود معمري على أنهم رواد الرواية الجزائرية، و يحددون سنة 1950 على أنها البداية الحقيقية للرواية في الجزائر،غير أن الكتابة الروائية سبقت ذلك التاريخ بأزيد من نصف قرن.
ظلت جل تلك الإبداعات حبيسة أدراج المكتبات العتيقة، لا يتداولها إلا المتخصصون، ولم تعرف طبعا جديدا منذ صدورها أول مرة، بينما نجد نصوصا من الأدب الفرنسي والإنجليزي تعود إلى قرون السادس عشر والسابع عشر و الثامن عشر يعاد طبعها في حلل بهية، حتى و إن كانت ضعيفة السبك ركيكة الأسلوب، فأهميتها التاريخية سبب معقول لنشرها ورواجها.


من بين الروائيين الرواد نجد شكري خوجة صاحب رواية "العلج أسير البرابرة" المطبوعة سنة 1929 بدار أراس للنشر بباريس، اسم ورواية لا نسمع لهما ذكرا إلا في كتب تاريخ الأدب، ولكن المترجمة سامية سعيد عمار منحت المؤلف وروايته حياة جديدة بترجمتها إلى اللغة العربية، فهذه الترجمة قد تمكننا من التعرف أكثر على نص روائي يعود إلى الثلاثينات من القرن الماضي، بغض النظر عن قيمته الأدبية، فإن أهميته تكمن في التأريخ للرواية الجزائرية.


حال رواية شكري خوجة هي نفسها حال روايات كل من ابن رحال و سليمان بن براهيم و نصر الدين دينه أو أحمد بوري والقايد بن شريف وعبد القادر الحاج حمو ومحمد ولد الشيخ وغيرهم.. روائيون لم يعاد نشر رواياتهم و لم تترجم إلى اللغة العربية، ما عدا محمد ولد الشيخ الذي نشرت روايته "مريم بين النخيل" سنة1984.


أثارت الرواية ذات الرسم الفرنسي في الجزائر نقاشا حادا منذ عقود من الزمن، لا يكاد يهدأ حتى يستثار من جديد، كما أن رحيل محمد ديب سنة 2004، بعدما فقد الأدب الجزائري مولود فرعون و كاتب ياسين ومولود معمري ومالك حداد ومن المتأخرين رشيد ميموني، كان سببا في نبذ الخصومات والنظر إلى الظاهرة الأدبية بنوع من الموضوعية.


يجب التأكيد على أن الكتابة الروائية فن جديد في الأدب العربي، منبعه الآداب الأوروبية، إذ كانت الرواية في القرنين السابع عشر والثامن عشر وسيلة للتسلية من خلال العجائبية الخيالية و روايات الفروسية، ثم عرفت أوروبا ضمن منطق التطور الإجتماعي و السياسي و الفكري الرواية الرومانتيكية مع جان جاك روسو وسننكور ولاكلو وفكتور هيجو، ثم ظهرت الرواية الواقعية في القرن التاسع عشر مع بلزاك وزولا وفلوبير وكذا ديكنز ودوستيوفسكي...


إن الزخم الكبير من الروايات الفرنسية التي تعود إلى القرنين الثامن عشر والتاسع عشر الصادرة في فرنسا والمتداولة في المكتبات، أو التي أعيد طبعها في دور النشر بالجزائر ومنها أسكيرول وشرلو وشاراس وسوبيرون وهومو في الجزائر العاصمة أو دار شازو وبلازا وفوك بوهران أو دار بوي بقسنطينة، وكذا إبداعات المستوطنين أنفسهم كانت الزاد الذي تغذى به بعض الجزائريين في مطلع القرن العشرين، بعدما فرضت عليهم السلطات الفرنسية التعليم باللغة الفرنسية، وحظرت التعليم باللغة العربية، كما سعت إلى محو كل أثر للشخصية الوطنية وبخاصة ما تعلق بالدين الإسلامي، وفي غياب التواصل مع الشعوب العربية المجاورة لم يجد المثقفون الجزائريون آنذاك إلا تقليد الأدب الفرنسي، سواء في أشعاره أو كتاباته النثرية بداية بالمقالات التي كانت تنشر في المجلات والصحف التي أخذت تعرف الوجود، ومنها الشبان الجزائريون "وهران 1904 " والهلال والإسلام والراشدي والحق " بين 1904 -1912 " وكلها صحف مزدوجة اللغة.


ويتفق النقاد على أن الرواية المسماة كولونيالية لم تبلغ مكانة الروايات الفرنسية، بل كانت ضعيفة الحبك، يطرح أصحابها أفكارا مسبقة نابعة من تفوق الجنس الأوروبي وتخلف العربي، يسيطر عليها رأي المؤلف وينعدم فيها التحليل الدقيق للشخصيات الروائية كما يبدو جليا العنصر التعليمي فيها.


وكان لزاما على بعض الجزائريين ممن أحسوا أنهم يمتلكون القدرة على التعبير بلغة المستعمر أن ينسجوا على نفس منوال تلك الروايات السائدة في بيئتهم على سبيل التقليد، و بعضهم حاول إظهار براعته في ممارسة الكتابة بلغة المستعمر. وهكذا نشر أحمد بوري رواية متسلسلة في جريدة الحق وهي مسلمون ونصرانيات "1912" ثم تبعه القايد بن شريف وروايته القومي أحمد بن مصطفى "1920" ثم عبد القادر الحاج حمو الذي ألف زهرة زوجة المنجمي "1925" وتليها العلج أسير البربر لشكري خوجة، ولا ننسى بعض المحاولات الشبه قصصية مثل "انتقام الشيخ" لابن رحال "1891" أو العمل الثنائي بين سليمان بن براهيم ونصر الدين دينيه "خضرة فتاة من أولاد نايل" "1910".
أما روايات ما بين الحربين العالميتين فليس لها ما يميزها من الناحية الفنية، و منها رواية "عيسى الزهار" لمحمد سيفي "1945" و"بولنوار" للإخوة زناتي "1945" و"ليلى" لجميلة دباش "1947".


وفي تلك المرحلة أثارت انتباه القراء رواية متميزة وهي "مريم بين النخيل" للروائي محمد ولد الشيخ نشرتها دار بلازا بوهران 1936.
ويبدو أن أصحاب تلك الروايات الرائدة من دعاة الإندماج، لذلك لا نكاد نعثر على آثارهم في المكتبات الجزائرية، ما عدا رواية محمد ولد الشيخ التي أعيد نشرها سنة 1985، مما مكننا من الإطلاع على محتواها، و التعرف على مقدرة صاحبها في التحكم في فنيات السرد.


لم تبلغ الروايات الجزائرية الأولى درجة فنية من السرد القصصي، وهذا لاعتمادها على تقليد الروايات الكولونيالية من جهة، ولكون الرواية كانت فنا قصصيا جديدا على الأديب الجزائري، بل العربي بعامة، وبما أن الجزائري لم يتمكن من الإطلاع على النماذج العربية في فن الرواية فكان لزاما عليه التقليد، وهذه حتمية أدبية.
في حين تمكن الشاعر الجزائري بسهولة أن يبعث و يبدع في فن الشعر لعراقته، فبالرغم من مضايقات المستعمر إلا أن الشاعر وجد ركيزة أدبية اتكأ عليها، فكان تقليد القدامى أولا ثم بدأ التجديد في الأشكال التعبيرية الشعرية، أما الرواية فلا يمكن لمبدعها أن ينطلق من العدم.


ومع مطلع الخمسينات تغيرت اهتمامات المثقفين و السياسيين، وبدأت تلوح في الأفق بوادر الإحتجاج والثورة وإثبات الذات، فكانت أول محاولة من طرف مولود فرعون "1913 -1962 " من خلال روايته " نجل الفقير " 1950، الذي صور معاناة الطبقات الفقيرة في المجتمع الجزائري،يتبعها الأرض و الدم 1953 والدروب الصاعدة 1957، ويظهر محمد ديب بعمل متميز "الدار الكبيرة" أولا ثم "الحريق" 1954 وبعده "النول" 1957، وفي نفس المرحلة يقابلنا مولود معمري بعملين هما "الربوة المنسية " 1953 و"إغفاءة العادل" 1957، أما كاتب ياسين فيبدع "نجمة" "1956"، ثم نجد روائيا آخر يظهر على الساحة الأدبية هو مالك حداد بروايته "الإنطباع الأخير" 1957، ثم "سأهديك غزالة" و"التلميذ والدرس". بينما نجد صوتا نسويا فريدا يفرض نفسه من خلال "العطش" 1957 و"المتسرعون "1957 للروائية آسيا جبار.


كل هذه الأعمال الروائية بلغت درجة من الإتقان في السرد، والتحكم في البناء الدرامي للفن الروائي، فلا عجب في ذلك إذ تمكنت الرواية الكولونيالية من بلوغ درجة عالية من العمق مع روائيين مشهورين أمثال إيمانويل روبلاس" مرتفعات المدينة " 1948، وكذلك ألبير كامي "1913 -1960" من خلال أعماله الخالدة الغريب "1942" والطاعون "1957".


وقد التقى كل من محمد ديب بألبير كامي وإيمانويل روبلس في شتاء 1948، واتفقوا على إنشاء مجلة كراسات أدبية، والتقى مولود فرعون بإيمانويل روبلس ببوزريعة بالجزائر العاصمة وهو الذي شجعه على الكتابة.


من ناحية أخرى فإن الرواية تطورت في أوروبا وبخاصة فرنسا وكذلك في الولايات المتحدة وأمريكا اللاتينية، و كان لهذا تأثيره الخاص على كتاب الرواية في العالم، فقد مزج كل من إرنست هيمنغواي "لمن تقرع الأجراس 1948" وجون شتانبك "فئران ورجال 1939" بين التحليل الصحفي و السرد الروائي، وبهذا أصبح التركيز عند الروائي على الأحداث والوقائع مهما كانت طبيعتها، و هذا ما جسده بجلاء جورج أرنو "أجرة الخوف" وهرفي بازان "الأفعى في قبضة اليد" و"الرأس أمام الجدران".


وكذلك ميشال دوسان بيار مع "المستحيل"، بينما يتوجه ميشال سيزبيرون إلى التحقيقات الصحفية فيحولها إلى روايات مثل "الكلاب التائهة دون قيد" بحيث صور مصير الطفولة الجانحة.و هكذا أخذ الروائيون يعرضون عن قصص الطبقات الغنية والمتوسطة من مجتمعاتهم ليتحولوا إلى الطبقات الفقيرة والبائسة مثلما نجد عند جون شتانبك "عناقيد الغضب" وكلدويل "طريق التبغ" و"أرض الله الصغيرة".


وفي إسبانيا يستحضر الروائيون تفاصيل الحياة القاسية للمحرومين والبؤساء من المجتمع، من خلال رواية "الكور" والغريق 1939لأرتورو باريا وكذلك دروب الليل لجوان سبستيان أربو وكذلك المتكبرون لجيزوس فرنندز سنتوس، أما إيطاليا فقد عرفت الواقعية الجديدة التي تتوجه إلى فئات منسية من المجتمع الإيطالي من الفلاحين و الفقراء، و هكذا كتب ألبرتو مورافيا "إمرأتان" وإيناسيو سيلوني "خبز وخمر" 1937 و كارلو ليفي "توقف المسيح بإيبولي" 1945.


كما كان للتيارات الأخرى أثرها على الروائيين الجزائريين كالتوجه الفني التأملي في مصير الإنسان مع أندري مالرو و فولكنر و بروست و فرجينيا وولف وجون بول سارتر، و ما قام به فرانز كافكا من تفكيك الشخصية و فضاء الرواية، مع دمج الملاحظات الفكرية مع روبير موزيل، أو تبئير السرد مع دوس باسوس. أو تيار الرواية الجديدة مع ناتالي ساروت و ألان روب غرييه.


ولكنه تأثير لاحق، أي في الستينات وما بعدها، أما مرحلة الخمسينات فكانت مرحلة تصوير المجتمع البائس الفقير، وكان الروائيون يستندون على سيرهم الذاتية ليصبغوا العملية السردية بالإنطاع الذاتي الصادق.


إن الغرض من تحليل ظاهرة الرواية الجزائرية المكتوبة باللغة الفرنسية ليس قبولها أو رفضها، أو الإطراء عليها أو نقدها، وإنما الغرض منه تبيين أن الرواية كفن غربي حديث النشأة في الأدب العربي.


أما تطوره في الرواية المكتوبة بالفرنسية فمرجعه الرصيد الهائل من الروايات الأوروبية منذ القرن السادس عشر إلى غاية الخمسينات من القرن الماضي، و بالتالي فإن مقارنة تطور الرواية المكتوبة بالعربية التي ظهرت في نهاية الأربعينات مع أحمد رضا حوحو "غادة أم القرى" 1947، أو "الطالب المنكوب" لعبد المجيد الشافعي 1951 أو الحريق لنورالدين بوجدرة "1957" أو صوت الغرام لمحمد منيع 1967، بروايات محمد ديب أو كاتب ياسين أو مولود معمري ومالك حداد فيه نوع من المغالطة التاريخية.



Thank you for visited me, Have a question ? Contact on : youremail@gmail.com.
Please leave your comment below. Thank you and hope you enjoyed...

0 comments: