sawah online blog official website | Members area : Register | Sign in

مقالة عبد الحليم قنديل

الثلاثاء، ٢٦ أغسطس ٢٠٠٨

Share this history on :
Image Hosted by ImageShack.us
نقلا عن موقع التجديد العربى

في "المسألة السوزانية"!

ربما في ظروف أخرى، كانت حادثة مقتل سوزان تميم ستمر بسلام، فاللبنانية الجميلة فنانة متواضعة، وكان جسدها الساحر جواز مرورها إلى الشهرة وعوالم الحظ.. والقتل. لكن مقتل سوزان تحول إلى حادثة سياسية لا شخصية، فقد دخل الجسد الجميل في عش الدبابير، في تقاطعات المال والحكم، وعلى خط التماس بين المليارديرات وعائلات الحكم، وفي سباق شهواني بين أمراء الخليج وأمراء مصر الجدد.

وقد نكون تعودنا - من زمن- على تصرفات أمراء ومليارديرات الخليج، فالمال بلا حساب، والمليارات مجرد فكة، والانتقال رأسا من عالم البادية إلى عالم الكازينو مسألة معتادة، لكن ظاهرة مماثلة تكونت في مصر، وحيث ثمانون بالمئة من المصريين تحت خط الفقر الدولي، ولم يكن فقر الغالبية الساحقة غير مصدر لثراء مصريين آخرين بصورة فلكية، وفي سياق تداخل خطر بين السلطة والثروة ومتع الجنس ودوائر الضغط الأمني، وفي عملية شفط ثروة ونهب عام لم يسبق لمصر أن شهدت مثله في تاريخها الألفي، والنتيجة: أن تكونت شريحة من المليارديرات في مصر بثراء فاجر، وبتراكمات مال يناهز أو يفوق ثروة الخليجيين الكبار، ثم كان خلط المهمات الرسمية بجني الفوائد الشخصية، وتحلل ذمم ذوي المسؤولية العامة. كان ذلك - وغيره- مما خلق علاقات من نوع مختلف، ليست علاقات دول، بل علاقات أسر، وأنهار مال جارية إلى الحسابات والمحافظ الشخصية، ليست علاقات بتصاهر النسب كما كان يجري في غابر الأيام، بل علاقات بتصاهر المال والمصالح المحرمة، وبالمنح والهبات والامتيازات، ومن وراء ستار المهمات الدبلوماسية وتوثيق علاقات الأخوة، اختلطت الأوراق، وتخلق اعتماد متبادل، وتحت السقف الحامي لعلاقات عائلات الحكم، تعددت دوائر ارتباط الأتباع والمقربين، وصار لكل عائلة حكم مليارديراتها، وتوالت مواسم التزواج والتنافر، وجرت صدامات واحتكاكات وحروب سيطرة، ودخلت دمى لبنان الجميلة على الخط، وكمجرد بضاعة تبادل أو تقاذف، ولإرضاء شهوات امتلاك وحيازة الدنيا ومباهجها، وصار النزاع على المحظيات واحدا من مناطق الصراع الخفي بين مليارديرات آل الخليج ومليارديرات آل مبارك. ربما لذلك وجدت سوزان تميم في دوائر خطر أكبر من مساحة الجسد الشبقي، وكان مقتلها الفاجع حادثة سياسة لا مجرد حادثة جنس، ومن مضاعفات سطوة المال بأكثر من توابع شهوة الجسد، فقد فرض حظر النشر على تفاصيل قضية مقتلها الذي جرى في دبي، بينما تجري التحقيقات في مصر، ولحقت شبهات الاتهام بملياردير مصري من الوزن الثقيل، وعلى صلة قرب ونسب من عائلة الحكم، وهذا مصدر قوته الأساسي، ومصدر التسهيلات والمنح والعطايا والهبات التي قفزت به إلى الواجهة، وقد كانت سوزان تميم واحدة - إن إردت- من زوجاته في الخفاء، وله مثلها أخريات لبنانيات ومصريات، وهذا سلوك صار منتشرا في أوساط أمراء مصر الجدد من المليارديرات، تماما كما جرى التعود عليه عند أمراء الخليج وأثريائه، وفي عبودية جنسية تنتمي إلى عصور هارون الرشيد، فالمال يجري بلا حساب، ومن غير موارد الكد والتعب، ومن دون مصدر إنتاجي ولا يحزنون، بل هو مجرد هبة ومنحة حكم، وتماما كما أن أثرياء الخليج مجرد هبة نفط، ولأن الأقطاب المتشابهة تتنافر، فقد دخل الملياردير المصري في صدام مع قرينه في دولة خليجية، يعمل في نفس مجاله، ويحظى بصلات قصر مشابهة تماما، وربما بأحجام ثروة متقاربة، وبشهوة استيلاء على الأجساد بعد ثروة الأوطان، ولم تكن سوزان تميم غير جسد وضع بالمصادفة في حلبة مصارعة الغيلان.

إنها أموال النزح العام التي كونت دولا داخل الدول، فكل ملياردير مقرب له دولته الخاصة، له رجاله وحاشيته وجهاز أمنه وجيش محظياته، وصلات التداخل بين دول المليارديرات ودول الحكام مرئية، إن لم يكن بالمشاركة في الغنائم، فبالتساهل والتغاضي والتجاهل، وقد كان يمكن ألا تفتح التحقيقات أصلا في قضية سوزان تميم، لولا أن القرين الخليجي أصر، واعتبر جغرافيا مقتلها نوعا من حروب الإعتداء وخرق السيادة، فقد كانت سوزان في كفالته وقت أن قتلت، وهكذا لم يعد ممكنا أن ينكفئ الماجور على الخبر في مصر، فقد جرى الصدام بالمناكب، وبتهديدات الكشف عن المستور، وبجمع القرائن والأدلة، وبتجنيد أجهزة مخابرات كبرى، وبطلب الثأر للدم المراق على حافة الهوى، وهكذا لم يعد ممكنا إغلاق الملف، وصار البحث عن بديل هو التلاعب في الملف، والبحث عن تسوية ترضي كافة الأطراف وتحفظ لهم ماء الوجه، بأن يبدو التحقيق جاريا في سلاسة لكن في الكتمان، وأن تتاح الفرص لتسويات مال ولعمليات نقل الأموال، ووقف انهيارات البورصة، وتأمين الحسابات الغامضة، وقد جرى فرض حظر النشر، بينما كانت عمليات التسوية - على ما يبدو- جارية، وربما لم يتبق غير قرار الإحالة للمحاكمة، وبطريقة تبعد الشبهة، وقد لا يمانع الطرف الخليجي، بينما تبقى المشكلة على حالها في مصر، فترقب الرأي العام واضح، وقطاع الصحافة الحرة مستفز من قرار حظر النشر، والانتهاء إلى قرار إحالة خال من اسم بعينه ربما يزيد النار اشتعالا، فقد تكونت في مصر - خلال الفترة الأخيرة- فجوة تتسع بين أحكام الرأي العام وقرارات النائب العام، وصارت للرأي العام أحكامه الخاصة، وبصورة ربما تتجاهل أحكام المحاكم ذاتها، وعلى نحو ما جرى في تبرئة محكمة لممدوح اسماعيل قاتل ألف مصري، بينما كان حكم المصريين - في غالبهم الساحق- هو جزاء الإعدام لممدوح إسماعيل ولعصابته، وللذين حموه وهربوه إلى لندن، وقد جرى الإعدام المعنوي بالفعل، وربما يجري الإعدام المادي إن توافرت فرصه لطلاب الثأر، ومع ملابسات قضية سوزان تميم، ربما تزيد الفجوة، ويزيد التهاب الأعصاب، خاصة إن خلا قرار الإحالة من الاسم المرصود، فالقصة أكبر من سوزان تميم التي عرف غالبية المصريين اسمها - لأول مرة- مع حادث مقتلها، وما يثيره من دواعي وجع مصري خاص، فالملياردير المشتبه بأمره واحد من عناوين الوجع، ورمز على ما جرى من نهب معروف جيدا للرأي العام، نهب واسع وتجريف لثروة البلد بمعرفة وعون الكبار في عائلة الحكم، ثم صرف ثروة البلد إلى تصرفات ترف مستفز وصادم لأخلاقيات الناس، وتفشي إحساس بسيادة مناخ الغابة وقوانينها، وتداعي أدوار سلطات التحقيق وقضاء المحاكم، وهو ما يزيد من حرج النائب العام المعين بقرار من الرئيس مبارك! وربما لا تكون قضية سوزان تميم هي الأولى من نوعها، لا في مصر ولا في غيرها، ففي التاريخ المصري حوادث قتل لفنانات في ظروف غامضة، وفي سياقات قريبة جدا من شبكات أمن وتخابر، وكما جرى للفنانة أسمهان في العصر الملكي، أو كما جرى للفنانة سعاد حسني قبل سنوات، وقد قيدت الحوادث رسميا ضد المجهول، وإن لم تتوقف التأويلات، وهو ما نظن أنه قابل للتكرار في حادث سوزان تميم، وبتحويرات قد تتصل بتقديم أكباش فداء صغيرة، ولكن في سياق مختلف من تحكم وسطوة المال، ومن تراجع الثقة العامة في أحكام القانون الرسمي، ومن زيادة مرئية في جرأة قطاع الصحافة الحرة المتمردة على أوامر السيادة، وهذه كلها ملابسات تجعل "المسألة السوزانية" من مفردات "المسألة المصرية" بالذات، فقد تسرى أوامر الصمت في البلد الخليجي المعني، لكنها لن تسري بالدرجة ذاتها في مصر، فسطوة المال قد تكون أقل إقلاقا للشعور في بيئة الخليج الميسورة بعامة، بينما هي حارقة للأعصاب في مصر الغاطسة بأغلب سكانها تحت حد الفقر الكافر

Thank you for visited me, Have a question ? Contact on : youremail@gmail.com.
Please leave your comment below. Thank you and hope you enjoyed...

0 comments: