sawah online blog official website | Members area : Register | Sign in

رؤية لدولتين...أم شيء آخر؟

الخميس، ٨ مايو ٢٠٠٨

Share this history on :

Image Hosted by ImageShack.us

لماذا مثل هذا السؤال؟ هل هناك مبرر للتشكيك في نوايا الرئيس جورج بوش الابن، بعد أن أمضى سنوات يتحدث مع كل الأطراف، ويدافع عن رؤيته لدولتين فلسطينية وإسرائيلية عقد من أجلها مؤتمرات كثيرة، واستضاف من أجلها مفاوضات لا حصر لها، وقام بأكثر من زيارة للمنطقة في سبيلها؟ وزيرة خارجيته زارت المنطقة حتى الآن لا يقل عن خمس عشرة مرة للهدف ذاته. لماذا بعد كل ذلك التساؤل عما إذا كانت رؤية الرئيس هي كذلك، أم شيء آخر؟ هل يضمر مثل هذا السؤال انتكاسة إلى فكرة المؤامرة؟ أفضل إجابة على هذه الأسئلة وغيرها ما قالته وزيرة الخارجية الأميركية، كوندوليزا رايس، في حديثها لصحيفة "الشرق الأوسط" السبت الماضي عن موضوع رؤية الدولتين. تقول "رايس": "على الطرفين الإسرائيلي والفلسطيني أن يدركا بأن أحلامهما التاريخية غير ممكنة، وأن عليهما القيام بتنازلات صعبة، وأن الحل يكمن في التوصل إلى نقاط التقاء وتوافق. أعرف أن لدى كل من الإسرائيليين والفلسطينيين معتقدات تاريخية تركز على أن هناك نصراً خالصاً لطرف على حساب هزيمة كاملة تلحق بالطرف الآخر، أي معادلة صفرية فيها رابح مطلق وخاسر مطلق. هذا أمر غير ممكن. على الجانبين الإسرائيلي والفلسطيني أن يقدما التنازلات عن بعض أحلامهما من أجل تحقيق الحلم الكبير، وهو قيام دولتين إسرائيلية وفلسطينية تعيشان جنباً إلى جنب." هكذا انتهت "رايس" بعد أربع سنوات من التعامل مع الصراع الفلسطيني- الإسرائيلي. اللافت في كلام "رايس" أنها تعتبر الطرفين الفلسطيني والإسرائيلي متساويين في كل شيء. "كل منهما لديه أحلام تاريخية غير ممكنة"، و"كل منهما لدية معتقدات تاريخية تفترض نصراً نهائياً على الآخر". والمطلوب، كما تقول، تقديم التنازلات عن تلك الأحلام والمعتقدات لـ"قيام دولتين إسرائيلية وفلسطينية جنباً إلى جنب." من أين لوزيرة خارجية أميركا كل هذه الجرأة على مثل هذا الكلام الشاعري؟ الحديث عن "الأحلام والمعتقدات" فيه الكثير من الشاعرية المفصولة بشكل بارد وعنيف عن واقع الصراع. وبالتالي هو حديث مضلل بامتياز. هل تعتقد "رايس" حقاً بأن لدى الطرف الفلسطيني حلما بالانتصار على إسرائيل بشكل نهائي، وبمثل السرعة المضمرة في حديثها؟ "رايس" تعرف جيداً أن هذا الحلم موجود لدى الطرف الإسرائيلي، وأنه المحرك للسياسة الإسرائيلية من خلال تطبيق سياسة ممنهجة لمصادرة الأراضي، وسياسة العنف اللامحدود، ومنهج العقاب الجماعي ضد الفلسطينيين.
و"رايس" تعرف أيضاً بأن الطرف الفلسطيني ليس مساويا للطرف الإسرائيلي. الفلسطيني يعيش تحت الاحتلال منذ أكثر من أربعين سنة، ويعتمد على المعونات الخارجية. والفلسطيني في غزة يعيش تحت حصار خانق أصبح معه القطاع أشبه بسجن كبير. الفلسطيني لا يملك دولة، وأجل حقه في إعلان هذه الدولة استجابة للدور الأميركي، ولرؤية بوش تحديداً. أين ذلك من الطرف الإسرائيلي الذي يملك دولة بجيش هو الأقوى في المنطقة، ومدجج بترسانة نووية ينافس بها الدول الكبرى؟ أين ذلك من دولة تتمتع بكل أنواع الدعم العسكري، والسياسي والاقتصادي والدبلوماسي من الدولة الأعظم في العالم؟ تقول "رايس" إن لدى الطرف الفلسطيني "أحلاماً ومعتقدات". وهي في ذلك إما أنها لا تقول الحقيقة عن جهل، أو أنها، على الأرجح، تمارس التمويه بشيء من البهلوانية الدبلوماسية المكشوفة. والكذب شكل من أشكال العنف، وبالتالي شكل من أشكال الضغط. بمثل هذا الحديث تمارس وزيرة الخارجية الأميركية ضغطاً مبطناً على الطرف الفلسطيني. حديث "رايس" هنا ليس استثناء، بل نموذج. كل أحاديث أعضاء إدارة بوش عن الموضوع تقول الشيء ذاته.
كان ولا يزال لدى الطرف الفلسطيني حقوق في الأرض انتهكت، ولا تزال تنتهك بشكل يومي، وبغطاء من الدولة التي تدير "رايس" سياستها الخارجية. ورغم ذلك قدم هذا الفلسطيني تنازلاً سخياً وكبيراً، عندما قبل بالصيغة التي تقول بـ "إيجاد حل عادل لقضية اللاجئين بما في ذلك تعويضهم". تنازل الفلسطيني عن 78% من أرض فلسطين، رغم أن قرار التقسيم الدولي لا يعطي إسرائيل إلا 53% من هذه الأرض. ثم تقول "رايس" بأن هذا الفلسطيني لا يزال يملك ليس بقية من "أحلام ومعتقدات"، بل كل "الأحلام والمعتقدات غير الممكنة". هنا تتبنى وزيرة الخارجية الأميركية الموقف الإسرائيلي جملة وتفصيلاً. وإلا ما هو هذا "الحلم والمعتقد" الذي تشير أنه لا يزال لدى الطرف الفلسطيني؟ تعرف "رايس" أن الذي لا يزال يملك الأحلام والمعتقدات الخرافية هو الذي يصر على سرقة الأرض، وتوسيع الاستيطان بشكل منتظم، وفي خرق فاضح للقوانين الدولية، وفي وجه التنازلات الفلسطينية والعربية، بل وفي وجه "رؤية بوش عن الدولتين". هل تضمن "رايس" للفلسطينيين أن أرضاً ستبقى لهم حتى يمكن تطبيق هذه الرؤية؟ الأكثر من ذلك أن حكومتها تمول هذا الاستيطان. لم تتخذ إدارة صاحب "رؤية الدولتين" موقفاً واضحاً يرفض الاستيطان، ويرفض استخدام الأموال الأميركية التي ترسل لإسرائيل سنوياً لتمويل الاستيطان. كيف يمكن أن تكون هناك "رؤية لدولتين"، في حين أن الأرض التي يجب أن تقوم عليها دولة فلسطينية تتم سرقتها بشكل منتظم، وبتواطؤ أميركي مبطن؟
إذن، وبالعودة إلى السؤال الذي طرح في بداية المقال، ليس في الأمر مؤامرة. كل شيء يحدث على المكشوف. الإدارة لا تعد بشيء على الإطلاق في موضوع رؤية الدولتين. تتحدث عن هذه الرؤية بإسلوب مراوغ، يغلب عليه الغموض والإبهام، واللعب بالكلمات المطاطة. وهي تفعل ذلك ليس تنفيذا لمؤامرة، وإنما ممارسة لسياسة فعلية تهدف منها إلى شيئين: ممارسة ضغط متواصل على الطرف الفلسطيني، وثانيا تفادي إلزام نفسها بشيء تجاه الفلسطينيين، أو العرب أو المجتمع الدولي. وليس في الأمر مؤامرة أيضاً لأن الفلسطينيين، أو جزءا كبيرا منهم على الأقل، ومعهم العرب، بحكم الظروف التي انتهى إليها الصراع في مرحلته الحالية، هم الآن جزء من هذه اللعبة السياسية التي تسميها الإدارة برؤية الدولتين. من ناحية، يقول الأميركيون إن المطلوب من الأطراف أن يتوصلوا هم إلى الحل. ومن ناحية أخرى، توفر الولايات المتحدة كل الأغطية السياسية والدبلوماسية المطلوبة لإسرائيل في حروبها، وتوسعها الاستيطاني، وكل انتهاكاتها للقوانين والأعراف الدولية. إلى جانب ذلك، تفي الولايات المتحدة بكل التزاماتها الأمنية والسياسية والاقتصادية، وبشكل منتظم وصارم تجاه إسرائيل. أين موقع "رؤية الدولتين" في مثل هذه السياسة؟
ليس المطلوب من الولايات المتحدة أن تفرض حلاً كما تعتقد وزيرة الخارجية. المطلوب أن تتخذ موقفاً متوازناً، وأن تكون وسيطاً نزيهاً ومحايداً في الصراع. وأميركا ليست كذلك، بإجماع كل المراقبين تقريباً. تذرُع الإدارة بأنها لا تستطيع أن تفرض حلاً هروب إلى الأمام. لماذا لا تتخذ أميركا موقفا متشدداً تجاه أي خرق لخريطة الطريق، ولمتطلبات "رؤية بوش"، من أي من طرفي القضية؟ لماذا الموقف المتشدد دائما ضد الفلسطينيين فقط؟ لماذا حماية إسرائيل في مجلس الأمن كلما انتهكت القوانين الدولية؟ ولماذا الإصرار على إضعاف الطرف الفلسطيني (أبو مازن ومعه السلطة) الذي نبذ العنف، واختار السلام والمفاوضات طريقاً للحل؟ لماذا السكوت على الاستيطان؟ لماذا تجاهل المبادرة العربية؟ لماذا المهم هو الأمن الإسرائيلي، وليس الأمن الفلسطيني؟ كيف يمكن أن تكون هناك رؤية لدولتين والإدارة لا تستطيع، أو لا تريد التعاطي مع هذه الأسئلة؟
ربما قيل إن الوضع السياسي داخل أميركا لا يسمح بمواجهة إسرائيل. وهنا يبرز المأزق. العرب لا يستطيعون مواجهة أميركا بسبب أوضاعهم السياسية في الداخل، وأميركا لا تستطيع مواجهة اللوبي اليهودي بسبب أوضاعها السياسية في الداخل، وإسرائيل لا تستطيع مواجهة حركة المستوطنين بسبب أوضاعها السياسية في الداخل كذلك. يبدو الوضع مستحيلاً، وليس له من مخرج إلا... بماذا؟ إما مفاوضات لا نهائية تسمح للإسرائيليين بالاستمرار في فرض الأمر الواقع عن طريق التوسع الاستيطاني، حتى يصبح من غير المعقول المطالبة بما ماهو ليس مقبول إسرائيليا، وأما إقناع الفلسطينيين بواسطة القوة والتيئيس بالقبول بماهو معروض عليهم حاليا؟ أين تقع رؤية بوش عن الدولتين من هذا الواقع؟ تبدو الرؤية نشازا إلا إذا وضعت في مكانها الصحيح، وهي أنها آلية ضمن آليات الخيار الأول. هل بقي من هذه الرؤية شيء يمكن تصديقه؟
Thank you for visited me, Have a question ? Contact on : youremail@gmail.com.
Please leave your comment below. Thank you and hope you enjoyed...

0 comments: