sawah online blog official website | Members area : Register | Sign in

جدل "النصر" و"الهزيمة"

الأحد، ٢٥ مايو ٢٠٠٨

Share this history on :
Image Hosted by ImageShack.us

من تناقضات العصر وأحزانه، من مضحكاته ومبكياته، ما يحدث هنا وهناك، عندنا وعندهم. وهناك هو الكيان الصهيوني الذي يحتفل بمرور ستين عاماً على تأسيسه على أنقاض شعب، وبقايا أمة، واحتلال أرض، وطرد سكان، وإقامة مذابح جماعية للتخويف، واستعمال أقصى درجات العنف للإرهاب. وهنا لدينا نحن العربَ وما نحن فيه من خصومة بيننا تصل إلى حد حمل السلاح والاقتتال وإسالة دماء العرب بأيدي العرب. وهو ما يثير في النفس الدهشة والفزع، والخوف والغثيان لهذا التناقض بين الكيان الصهيوني الذي حكم الله عليه بالتيه في الأرض وليس الاستيطان فيها (يَتِيهُونَ فِي الأَرْضِ فَلا تَأْسَ عَلَى الْقَوْمِ الْفَاسِقِينَ). وبين خير أمة أخرجت للناس (كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ).
احتفال هناك بحضور ما يزيد على ستين من رؤساء دول ووزارات وأعلام وكُتاب وحاصلين على جوائز نوبل وفنانين، وعلى رأسهم زعيمهم رئيس الإمبراطورية الجديدة وداعية "المحافظين الجدد"، والغازي للعراق وأفغانستان والمؤيد للكيان الصهيوني، والمهدد لسوريا ولبنان والسودان، وصاحب الشرق الأوسط الكبير الذي تدخل فيه إسرائيل ضد الشرق الأوسط الصغير الذي يقاوم فيه العرب الاحتلال الصهيوني في فلسطين، والأميركي في العراق.
وهكذا، ثلث دول العالم تحتفل بمناسبة مرور ستين عاماً على تأسيس الكيان الصهيوني دون ذكر كلمة واحدة عن نكبة فلسطين، لا فرق بين "ليكود" و"عمال"، محافظين أو ليبراليين، يمينيين أو يساريين. ويتم الاحتفال مع وقع أقدام الجنود، وأزيز الطائرات، وجنازير الدبابات، وهدم المنازل، وتجريف الأراضي، وسيل الدماء، طبقاً للمعيار المزدوج الذي تعوَّد عليه الناس، ويمارسه الأوروبيون والأميركيون، الحياة لـ"محور الخير"، والموت لـ"محور الشر".
وهنا، لدينا، يدور القتال في لبنان، سالت دماء اللبنانيين بأيديهم لتوقف الفرقاء عن الحوار، واستعمال السلاح بين أبناء الوطن الواحد، وتحول الخصومة السياسية إلى اقتتال في الشوارع والأحياء والمدن في العاصمة، وفي طرابلس في الشمال، وصيدا في الجنوب.
وهناك في فلسطين الاقتتال بين "فتح" و"حماس" الذي يصل بين الحين والآخر إلى سفك الدماء. فتسيل الدماء مرتين، مرة بأيدي العدو الصهيوني ومرة بأيدي الصديق والأخ والرفيق الداخلي. ويدور الاقتتال في الصومال بين فريقين متنازعين، الحكومة والمعارضة، بين التيار الغربي الأميركي والتيار الإسلامي الوطني. وتدخل إثيوبيا بقوتها العسكرية لتقاتل مع التيار الأول ضد التيار الوطني، ويموت الناس إما بسلاح المتقاتلين أو بالجوع والقحط والجفاف. والاقتتال في السودان بين الشمال والجنوب وبين الشرق والشمال لغياب الحوار الوطني والمواطنة التي يتساوى فيها الجميع. والاقتتال في اليمن بين الحكومة والحوثيين، بداية لفتنة طائفية جديدة بين السُّنة والشيعة، استكمالاً لمخطط التجزئة الطائفية العرقية للوطن العربي إلى دويلات عربية، كردية بربرية زنجية شيعية سُنية... الخ، لتصبح إسرائيل أقوى دولة طائفية عرقية في المنطقة، لتأخذ شرعية جديدة من طبيعة الجغرافيا السياسية التي تعيش فيها بدلاً من أساطير "المعاد" و"شعب الله المختار" التي لم يعد يصدقها أحد.
ويُقتل الأبرياء في العراق، الأطفال والنساء والشيوخ بأيدٍ طائفية أو عرقية، عراقية أو أميركية، سُنية أو شيعية، معروفة أو مجهولة، لبثّ الفوضى في أرجاء العراق حتى لا يعود إلى وحدته الوطنية الأولى قبل الغزو الأميركي.
والنزاعات السياسية حول الحدود تتحول بين الحين والآخر إلى اقتتال مسلح تسيل فيه الدماء بين الدول المتجاورة، مثل المغرب والجزائر في يوم ما حول تندوف، ومصر وليبيا حول واحة الجعبوب، ومصر والسودان حول حلايب وشلاتين، وقطر والبحرين حول جزر في الخليج، وسوريا وفلسطين حول وادي الحمة، ولبنان وسوريا حول مزارع شبعا، ومصر وفلسطين في مثلث العوجة. وتغلق الحدود، ويتم التراشق الإعلامي، وزرع المحاور داخل العرب، وقسمتهم إلى معتدلين ومتطرفين، عقلاء ومتهورين، دعاة سلام وأنصار حرب.
والمغالاة في الاحتفال ومظاهر القوة والعظمة إنما تخفي ضعفاً دفيناً تماماً كما تفعل الولايات المتحدة الأميركية في غزوها للعراق وأفغانستان. واعتماد الحيوان على قوته العضلية إنما يخفي ضعفه العقلي. لذلك يعوض الإنسان ضعفه الجسدي بقوته العقلية والأخلاقية وفي المثل العربي "يكاد المُريب يقول خذوني".
ولا تذكر إسرائيل إلا انتصاراتها: قرار التقسيم في 1948، العدوان الثلاثي في 1956، العدوان في 1967، حصار بيروت في 1982، وهو آخر انتشار لها في الوطن العربي. ولا تكاد تذكر ثورة عز الدين القسام في 1936، وحرب الاستنزاف في 1968-1969، وحرب أكتوبر في 1973، وتحرير جنوب لبنان في 2000، ثم هزيمتها في حرب يوليو 2006. لا تذكر إلا نصف الحقيقة: "النصر"، دون نصفها الآخر، "الهزيمة"، نظراً لغرور القوة، وإخفاء الحق من قبل دولة قامت أصلاً على الباطل.
وأحياناً لا يذكر العرب إلا الهزيمة دون نصفها الآخر، وهو النصر، نظراً لعدم الثقة بالنفس، والأخذ على غرَّة، وعدم الاستعداد، وعدم التمكن من طرق الحداثة لطبيعة المرحلة التاريخية التي يمرون بها.
لقد عاشت آخر دويلة صليبية في لبنان مائتين وخمسين عاماً ثم انتهت، أربعة أضعاف عمر دولة إسرائيل حالياً. فمازالت المعركة طويلة. وكما كانت دويلات الصليبيين دولات مصطنعة مغروزة، استعماراً استيطانياً من الغرب في قلب الشرق، تعود إسرائيل لتكرر المحاولة، دولة مصطنعة مكونة من هجرات متباينة لا يربطها إلا الدين، اليهودية الصهيونية، ضد قانون التاريخ وانتهاء عصر الدولة الدينية. ولم تنجح محاولة وضع شعب بلا أرض في أرض بلا شعب. فالفلسطينيون أحياء داخل فلسطين وخارجها، أربعة ملايين في الداخل، وأربعة ملايين في الخارج، أكثر من سكان إسرائيل الذين لا يتجاوزون سبعة ملايين. والانفجار السكاني الفلسطيني قادم، وهو ما يرعب إسرائيل. ففي الستين عاماً القادمة سيتضاعف عدد الفلسطينيين داخل إسرائيل عدة مرات ويفوق عدد الإسرائيليين. فيذوب اليهود في المحيط السكاني العربي، داخل إسرائيل وفي دول الجوار. حينئذ يعود النموذج الأندلسي من جديد، مجتمع واحد متعدد الديانات والأعراق يعيش في سلام باسم المواطَنة، والمساواة في الحقوق والواجبات. وشعب فلسطين مازال يقاوم، وشعوب دول الجوار القريبة والبعيدة مازالت تقاوم التطبيع. والنظام العربي مازال في مجمله يرفض المفاوضة والصلح والاعتراف بالكيان الصهيوني. والعرب والمسلمون مازالوا يقاومون في العراق وفي أفغانستان وفي الشيشان كما قاوموا من قبل في الجزائر.
مازال جدل الهزيمة والنصر قائماً. فالمعركة مازالت طويلة. وستون عاماً من النكبة لدى شعوب تاريخية يمتد عمرها إلى آلاف السنين في كنعان وبابل وآشور ومصر القديمة ليست شيئاً. بدأت الهجرات المضادة، من "العاليا" إلى "الدياسبورا" من جديد. ولولا عامل الخطر الخارجي، المقاومة الفلسطينية والصمود العربي، لتفجرت التناقضات داخل الكيان الصهيوني بين اليهود الشرقيين "السفارديم" واليهود الغربيين "الأشكناز"، بين المتدينين والعلمانيين، بين الفقراء والأغنياء، بين أنصار السلام وأنصار الحرب، بين الإصلاحيين والليبراليين من ناحية والصهاينة من ناحية أخرى. فيتبدد وهْم النصر، وغرور القوة (بَأْسُهُمْ بَيْنَهُمْ شَدِيدٌ).
وفي نفس الوقت يتجاوز العرب ضعفهم الداخلي وانقساماتهم، وتغليب العاجل على الآجل، والمصلحة القُطرية الخاصة على المصلحة القومية العامة، وتخلفهم بتملك مقومات الحداثة. مازال في رحم العرب صلاح الدين، قاهر الصليبيين، ومحمد علي، باني مصر الحديثة ومخلصها من ظلم المماليك، وعبدالناصر، مفجر القومية العربية وصاحب أول تجربة وحدوية في تاريخ العرب الحديث "الجمهورية العربية المتحدة" 1958-1961 بين مصر وسوريا في ذروة المد القومي العربي. ومازال في الغرب يقبع "سبارتاكوس" محرر العبيد في روما، وديجول مقاوم النازية باسم فرنسا الحُرة، ولنكولن محرر العبيد في الحرب الأهلية الأميركية. فالصورة ليست كلها سوداء، وليست كلها بيضاء، بل هو جدل التاريخ بين الهزيمة والنصر
Thank you for visited me, Have a question ? Contact on : youremail@gmail.com.
Please leave your comment below. Thank you and hope you enjoyed...

0 comments: