
لإحداث التغيير ستة مبادئ رئيسية يصعب العمل بدونها.. وهذه المبادئ رغم بساطتها ومنطقيتها إلا أننا.. فى الغالب الأعم نجد صعوبة فى اتباعها وتطبيقها.. ونفضل العيش بدونها.. ليبقى الحال على ما هو عليه.. وخصوصاً عندما نألف الواقع ونعتاد عليه ونتعايش معه ونحميه من رياح التغيير التى أصبحت تطرق أبوابنا وبعنف ومن بين هذه المبادئ:1- إن التغيير الجزئى هو ألد أعداء التغيير، فعندما نريد إحداث تغيير موجب ومؤثر علينا أن نضع برنامجاً متكاملاً ينتهى بإدخال تغيير جذى ملموس ومرئى يعكس فلسفة القيادة ورؤيتها فى تشكيل المستقبل، أما الاكتفاء بإحداث تغييرات جزئية بغية (التكيف مع متطلبات التغيير) أو خوافً من غضبة أعداء النجاح أو مقاومى التغيير، فإن ذلك سيبقى الأمور دون تعديل ويدفعنا لتبنى (الحلول الوسط) لنسعد الجميع فعندئذ نكون أشبه بمن وضع قدماً فى الماء الساخن والأخرى فى الماء البارد، ليحصل على ماء دافئ.2- لا تغيير بلا قيادة: حتى يمكن إحداث التغيير الجذرى يستلزم الأمر توفر قيادات إدارية فعالة، لديها القدرة على تبنى التغيير والعمل وعلى توفير بيئة النجاح اللازمة له، فلم يحدث أن تغييراً إدارياً أو تنظيمياً أو سياسياً قد حدث دون أن يكون له قائد ومرشد وموجه. فنحن نعيش الآن فى زمن التغيير. زمن قيادات التغيير، لا قيادات التقليد والعرف السائد والعادة والاعتياد. فلم يحدث البتة أن كانت ثمة فرص كثير لتشكيل مستقبل بلدنا مثلما هو متاح اليوم فقط. إن كان أصحاب الرؤى الملهمة القادرة على صياغة سيناريوهات المستقبل والعمل على تحقيقها هم الذين يشغلون مناصب القيادات العليا مركزياً ومحلياً وتشريعياً وكذلك إدارياً واقتصادياً.3- تصديق دواعى التغيير وفهمها: تبدأ الأزمات عادة بعدم تصديق حتمية إحداث التغيير.. فعادة ما تكون العادة أو المصلحة أقوى من الدافع لإحداث التغيير، لذا يستمر القائد فى القيام بما يؤديه من أعمال ويصم آذانه عن الاستماع ويغلق عينيه عن رؤية ما يدور حوله.. غير مصدق لضرورات إحداث التغيير حتى تحدث (أزمة أو حالة حرجة أو موقف جاد) عندئذ فقط يبدأ فى التفكير فى أهمية إحداث التغيير، وينطبق ذلك القول على فرد أو منشأة، أو تنظيم، ….الخ. فجميعهم لم يواجهوا حتى الآن كارثة تجبرهم على الرضوخ للتغيير الواجب.4- إبعاد معارضى التغيير: لا يمكن للتغيير أن يتم دون تكلفة ودون أن يشعر أنصار جماعة (ويبقى الحال كما هو عليه) بالخطر، ولن يكتب للتغيير النجاح ما لم تنح هذه الفئة جانباً، لنتيح لرواد التغيير الفرصة لتطبيق خطط النمو والتقدم، ولنبقى على حماسهم لإحداث التطوير المستهدف بمجالات الحياة المختلفة. إن السبب الرئيسى لمقاومة البعض للتغيير هو خوفهم من أن يأتى رياح التغيير معاكسة لأهدافهم الشخصية.. لذا يعملون على تأجيل لحظة التغيير إلى آخر مدى حتى ولو كان ذلك على حساب مصلحة الأمة، وفى الغالب الأعم فإن تلك الفئة لديها من المبررات وآليات الإفشال ما يمكنها غالباً من الصمود إن لم يكن الفوز على المبدعين والمفكرين.وفى سياق تحديث مصر، وإدراكاً من القيادة السياسية للتغييرات الهائلة التى شهدها العالم خلال الفترة الأخيرة مما دعاها إلى تبنى العديد من السياسات الاقتصادية والاجتماعية، التى تتيح لبذور التغيير أن تنمو، شهدت مصر الإصلاح الاقتصادى بكل ما انتهى إليه وقضية الحد من الزيادة السكانية، والارتقاء بدور المرأة، وزيادة كفاءة البنية الأساسية وتحديثها.. تلك هى ملامح التغيير فى الفترة الماضية أو على مدى ثلاثين عاماً ومنذ بداية السبعينات، إلا أن ملامح جديدة قد تفرض نفسها على متطلبات تحديث مصر بالمرحلة القادمة، نوجزها فى الملامح الستة:أولاً: تأهيل وتنمية الكفاءات السياسيةوذلك من خلال تبنى خطط للتغيير والتطوير والتنمية المهارية لشاغلى المناصب الحزبية وبناء كوادر قيادية وشبابية تتلاءم إدراكاتها مع متطلبات العصر، والأخذ بناصية الأمور والاستعداد لتبنى دور وطنى بارز وإيجابى لدفع عجلة التقدم والتنمية فى مجالات الحياة الاجتماعية والاقتصادية والسياسية. إن وضع خطط وبرامج لتأهيل وتنمية الكفاءات السياسية لا يعنى فقط التأهيل والإلمام والدراسة بالأيدلوجيات والمصطلحات السياسية والحزبية بقدر ما يعنى فى القوت نفسه إتقان مهارات العمل السياسى على نطاق أوسع وأشمل ليتضمن ذلك إكسابهم مهارات (اتخاذ القرارات، التحدث لأجهزة الإعلام، دبلوماسية التعامل، إعداد التقارير، رئاسة الاجتماعات، غدارة اللجان، الوعى والإلمام الكامل باستخدام تكنولوجيا العصر).إن تجربة الانتخابات الأخيرة تجعلنا دون تردد نسرع فى تعلم الدرس فلم يعد يكفى المواطن أن يتعامل مع نجوم سياسية لا تسعى إلى تطوير مهاراتها لمخاطبة احتياجاته التى تنمو ذاتياً بنمو اهتماماته.. بل صار اهتمامه الأول تحقيق النتائج.. والإدارة بالأفعال لا بالأقوال فضلاً عن أن سقوط بعض رؤساء اللجان هو فى حقيقة الأمر تأكيد على عدم توفر القدرات القيادية والإدارى اللازمة لغدارة هذا التنظيم الهام على مستوى (لجنة) أو (أمانة). لقد أتاحت شبكات المعلومات وثورة الاتصالات معلومات هائلة ومعارف لا حدود لها لبعض المواطنين ممن يتعاملون مع هذه التكنولوجيا الرائعة. لذا فمن المتوقع من أعضاء الحزب الوطنى ورؤساء اللجان والمسئول الحكومى أو مقدم الخدمة المدنية، ونواب الشعب ورجال الخبرة الاستشارية أن يكونوا على نفس الدرجة من الوعى أو الدراسة بما لدى المثقف العادى حتى يتمكنوا من تلبية أهدافه وتحقيق طموحاته. إن المحور الأول لتحديث مصر يكمن فى بناء إطار قومى لتأهيل الكفاءات والكوادر الحزبية وإعدادهم قيادياً وإدارياً.ثانياً: وزارة الطفولةقد يكون الاهتمام بالطفل وإعلاء صورته من بين التغييرات اللازم الأخذ بها خلال الفترة القادمة، بما قد يستلزم تخصيص (وزارة) لهذا القطاع الحيوى يكون هدفها الأول والرئيسى بناء إطارٍ من (القيم الجماعية الجديدة لأطفال مصر) (قادة المستقبل) وذلك من خلال قنوات راقية للإعلام، التعليم، التنشئة، التهيئة والرعاية الاجتماعية للمواهب، المبدعين، للقصر، المعوقين، المشردين.إن توفير الاهتمام الكافى لهذا القطاع الواعد قد يعفى مصر من مشكلات اجتماعية واقتصادية عديدة ترجع إلى عدم الانتباه الكافى لهذا القطاع قضايا (التسول، الأمية، الأحداث والجنوح، والمخدرات والإدمان) وغيرها من السلوكيات الاجتماعية السلبية التى تدعمت جميعها فى فترة الطفولة ويكفى هنا أن نعرف أن أضرار التدخين تدرس ضمن المناهج الدراسة للمدارس الابتدائية بما يخلق لديهم دافعاً ذاتياً قوياً ضد التدخين منذ الصغر.ثالثاً: التنمية المحليةما يزال هذا القطاع يتحرك جيئة وذهاباً داخل نطاق التغيير الجزئى، فتارة ننادى إلى تفويضه وتحريره وإطلاق يده فى التغيير وتدعيم المحليات وتارة أخرى نسترده ونعيده إلى الحكومة المركزية عند ارتكابه لأول خطأ، وخصوصاً إذا كان الخطأ بأحد المجالات ذات المساس المباشر بالمواطن ومعيشته وأمنه.إن قطاع التنمية المحلية فى مصر منذ ما يزيد عن أربعين عاماً لم يقدم حتى الآن نموذجاً إدارياً يحتذى فى (خدمة الإسكان، المواطن، النظافة، التعليم، الأمن) وإلا لما اعتبرنا جميعاً نموذج محافظة الإسكندرية كنموذج فذ فريد حيث أنه النموذج الوحيد الذى تكمن أسراره ليس فى الصلاحيات الممنوحة للمحافظ، ولكن فى شخصيته وقدراته الخاصة جداً..إن رفع عبء المحليات عن عاتق الحكومة المركزية وإطلاق سراحها وتقييم أداء قياداتها تقيماص دورياً وفورياً وموضوعياً، وكذلك تدريبهم تدريباً قيادياً عصرياً، وقبل كل ذلك انتقاءهم انتقاءاً جيداً ودقيقاً ليُعد أحد أهم ملامح التغيير لتحديث مصر ووضعها على عتبة التغيير السليمة..فالاهتمام بالقاهرة والجيزة والإسكندرية فى النهاية لا تغطى سوى 20% من سكان مصر، نحن نحتاج إلى خطة متكاملة لإحداث تغيير ضرورى بالقيادات المحلية تنهض بالمحليات وتبعث الأمل فى نفوس المواطنين الذين لم يعد يعنيهم سوى إنجازات تلامس جلدهم وتصافح عيونهم.رابعاً: التعليم الإليكترونىنحتاج إلى مسار رابع للتغيير لتحديث مصر.. وهو مسار التعليم الإليكترونى، حتى يتحول التعليم لدينا إلى تعليم عن بعد، وتختفى الحقائب المدرسية على الأقل فى المدن الكبيرة خلال سنوات (محددة) وتنتشر الحاسبات الشخصية (المنزلية) ليصبح التعلم بالفصل عن بعد وأن تزول بعض الأوهام والأصنام التى تضخمت وزاد حجمها ووزنها بفضل الأتربة التى تراكمت عليها بمرور الزمن وحتى يتحول التعليم إلى تعليم (لا ورقى) إن المتصفح لمواقع الإنترنت التى تتحدث عن التعليم عن بعد On Line Education يدرك المعنى الوطنى للخطوة التى تم اتخاذها بالفعل لإنشاء (جامعة عن بعد)، فهل آن الأوان لخطوة مماثلة تؤمن التعليم عن بعد بالمدارس أيضاً، لقد أصبح التعليم حراً ومجانياً ى مواقع عديدة من العالم.خامساً: الإعلامإن تحديث مصر يحتاج إلى تغيير جذى فى أجهزة الإعلام، ليس تكنولوجيا بقدر ما هو (فكرياً وبشرياً) فالإعلام التليفزيونى يتحرك (داخل دائرة محددة الإطار والاتساع والنطاق) وبالرغم من أن التطوير قد لمس كل شئ فى الفترة الأخيرة إلا أن هذا التطوير ما يزال فى نطاق (التغير) وليس التغيير، لقد حدث تغير ولم يحدث تغيير فما تزال نشرات أخبار رغم تغيرها لا تضاهى نشرات الأخبار الفضائيات العربية الوليدة، وما تزال برامج الأطفال تخاطب عقول أطفال ما قبل تكنولوجيا العصر، وما يزال الديكور والخلفيات الفنية للعدد من البرامج أفقر كثيراً من مستوى الضيف والبرنامج، ومازالت العديد من البرامج تأتى بعد مواعيدها المعلنة. لقد بذل الإعلام المرئى جهداً رائعاً فى تطوير التكنولوجيا وفى تطوير الشبكات وافتتاح المحطات إلا أن التغيير لم يمتد ليشمل بنفس الدرجة (الموارد البشرية الفنية)، فلم تعد قادرة على منافسة ما تقدمه بعض الفضائيات العربية. إن خطة قومية علمية للنهوض بالإعلام المصرى (بشرياً ومهارياً وفنياً) قد تكون من أهم ملامح تحديث مصر خلال الفترة القادمة.سادساً: الآثار والسياحة والثقافةما يزال هذا القطاع ينمو على استحياء وبتخطيط جزئى، يستجيب فقط للضغوط المباشرة ويتعرض لانتكاسات مفاجئة أو نجاحات لحظية وقتية، وما يزال قطاع الآثار ينقصه الكثير ليصبح ملائماً ولائقاً لدولة تمتلك أكثر من خمس آثار العالم. هلى نحتاج إلى خطة تحرر قطاع الآثار من سيطرة الثقافة وتحرر الثقافة من سيطرة الآثار فيعمل كل منها كقطاع أو وزارة مستقلة. أو إعادة النظر لهذا المثلث المتشابك (الثقافة، السياحة، الآثار) وإيجاد حل لهذه المعادلة الصعبة، إن الآثار والسياحة المصرية يجب أن ينظر إليها باعتبارها أحد السمات الرئيسية لتعظيم العوائد غير المنظورة، وأن نفض هذا الاشتباك التاريخ بين الآثار والسياحة والثقافة الذى انعكس سلباً على القطاعات الثلاثة.تلك هى محاور التغيير الستة التى تحتاجها مصر للتحديث وجميعها يحتاج إلى خطط علمية تبدأ بالهدف الاستراتيجى لكل قطاع، وتنتهى بخطة عمل محددة الملامح ومعلنة، وقيادة تؤمن بأن التغيير الجزئى هو أكبر أعداء التغيير والإبداع أيضاً.
0 comments:
إرسال تعليق